منذ بداية العام الحالي (بداية فصل الصيف في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية منها أمريكا الجنوبية) والنيران تأكل أشجار ونباتات غابات الامازون الضخمة التي تشكل مساحة كبيرة من أمريكا الجنوبية على مدار الساعة والتي تعتبر الرئة التي يتنفس بها اهل الأرض حيث انها تشكل مصدرا مهما للأوكسجين بنسبه تصل الى حوالي 20 بالمائة من اوكسجين الأرض الذي تعيش عليه الكائنات الحية ما جعل علماء البيئة يطلقون عليها رئة الارض، ناهيك عن أهميتها البيئية والطبيعية على الأرض وعلى الكائنات الحية التي تعيش فيها.
ووفقا لأحدث الأرصاد التي أجرتها وكالة الفضاء الامريكية ناسا بواسطة الأقمار الصناعية يومي الخميس والجمعة الماضيين، فقد كشفت عن اتساع رقعة الحريق لتصل الى حوالي 1500 هكتار خلال اليومين الماضيين، وانتشر الدخان مساحة تقدر بحوالي 3.2 مليون كيلومتر مربع لتغطي مساحات واسعة فوق القارة اللاتينية، ولا زالت الغازات المنبعثة الناتجة عن الحريق تزداد بسبب استمرار الحريق الكوني، حيث سجلت الأقمار الصناعية حتى يوم الجمعة الماضية 1663 حريقا جديدا في البرازيل نصفها في غابات الامازون.
المؤلم في هذه الحرائق التي اندلعت في غابات الامازون انها زادت بنسبة 83 بالمائة هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهذا مؤشر خطير جدا لان تأثيرها سيكون سلبيا بدرجة كبيرة على نسبة الاوكسجين في الجو وكذلك على نسبة انتشار الغازات السامة الناجمة عن الحريق في طبقات الغلاف الغازي الأرضي مثل اول وثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات السامة، إضافة للمعلقات الصلبة الأخرى التي ترافق انتشار الغازات السامة في الفضاء.
لقد عانت الكرة الأرضية كثيرا من حرائق الغابات في العالم خلال العقود الماضية، أدت الى ظهور ما يعرف بالاحتباس الحراري او ما يعرف ايضا بتأثير البيت الزجاجي Green House Effect الناتج عن الغازات السامة المنتشرة في الغلاف الغازي ومصدرها النشاط البشري وحرائق الغابات، حيث أدت الى عودة الاشعاع القادم من الشمس الى الأرض دون انعكاسه الى الفضاء الخارجي ونتيجة ذلك ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض ونسبة ذوبان الجليد في الأقطاب وحدوث تغيرات مناخية واضحة.
وكان التأثير على المناخ واضحا على الولايات المتحدة الامريكية، فقد أصدر المركز الوطني الأمريكي لتقييم المناخ تقريرا أشار فيه حدوث تغير مناخي واضح نتيجة النشاط البشري وحرائق الغابات وخصوصا احتراق غابات الامازون على الكرة الأرضية وارتفاع درجة حرارة الارض، وانه سيؤثر بشكل كبير على حياة البشر بشكل عام والامريكيين أيضا، حيث أشار التقرير الى حدوث ذوبان في الجليد ما جعل منسوب البحار في السواحل الامريكية يزداد بحوالي 9 سنتمترات، وهذه نسبة خطيرة تعني غرق الكثير من المناطق والدول الساحلية تحت مستوى سطح البحر.
كما ان احتراق الغابات سيؤدي الى معاناة أكثر من 100 مليون امريكي من تنفس هواء ملوث ما يعني انتشار امراض الجهاز التنفسي والقلب، بالإضافة للتغيرات المناخية حيث عانت الولايات المتحدة الامريكية ومعظم دول العالم وخاصة أمريكا الجنوبية وأوروبا من تعرضها لمناخ قاسي مثل الانخفاض الكبير غير الاعتيادي على درجات الحرارة وجبهات باردة غير مسبوقة وعواصف ثلجية شديدة تشل الحياة العامة لفترات طويلة من الزمن.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتأثر منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بهذه الحرائق والتغيرات المناخية؟
الجواب باختصار هو نعم!
بالطبع ليست الولايات المتحدة الامريكية هي الوحيدة التي تأثرت وسوف تتأثر بالتغيرات المناخية وسخونة الأرض، فهي جزء من الكرة الأرضية وتتأثر مثل جميع مناطق الكرة الأرضية بها، فازدياد سخونة الأرض تتأثر بها جميع مناطق الكرة الأرضية دون استثناء مع الاخذ بعين الاعتبار الاختلاف الذي قد يحصل بين المناطق بسبب موقعها الجغرافي وطبيعتها البيئية من حيث توزيع اليابسة والمسطحات المائية وانتشار الغطاء النباتي وطبيعة المناخ وغيرها.
ثم ان المسافة الكبيرة بين منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وبين أمريكا الجنوبية يجب ان تجعلنا ننام باطمئنان، فهذه الحرائق كما يعلم خبراء الطقس والمناخ تنتقل في طبقات الجو العليا مع التيارات الهوائية النفاثة الى جميع انحاء الكرة الأرضية، وهذه التيارات النفاثة لا يعترض طريقها عادة التضاريس الجبلية والموقع الجغرافي والمسطحات المائية، فهي تنتقل في جميع انحاء الكرة الأرضية وتعمل على تسخين مناطق وتبريد مناطق أخرى ينتج عنها منخفضات ومرتفعات جوية تتأثر بها جميع المناطق على الأرض، أي اننا لسنا بعيدين عن تأثيرات احتراق غابات الامازون وغيرها.
وكما لاحظنا في الموسم المطري الماضي 2018 فقد كان عاما مميزا من حيث عدد المنخفضات الجوية التي تعرضت لها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فقد شهدت هذه المناطق منخفضات مصحوبة برياح شديدة وكميات امطار غزيرة جدا لم تشهدها المنطقة من قبل وفقا لسجلات المواسم المطرية الماضية تشكلت بفعلها السيول الجارفة وحصدت أرواح الكثيرين منهم أطفال المدارس في البحر الميت رحمهم الله، كما انخفضت درجة الحرارة بشكل واضح نتج عنها منخفضات قطبية وتساقطت الثلوج في معظم هذه المناطق حتى في مناطق شمال الجزيرة العربية والعراق مع ان النسبة الأعلى كانت في لبنان وسوريا.
واثناء احتراق ابار النفط في حرب الخليج، نتج عنها كميات ضخمة من الغازات السامة غطت مناطق واسعة من شمال الجزيرة العربية والخليج العربي، وتعرضت منطقة الشرق الأوسط لمنخفضات قطبية شديدة البرودة بشكل ملفت للنظر، وعاش الأردنيون خلالها مواسم ثلجية غير مسبوقة وغطت عمان ومعظم محافظات المملكة الثلوج السميكة معظم أيام فصل الشتاء والربيع حتى ان الثلوج تساقطت في شهر أيار مايو وكان فصل الصيف بعدها لطيفا على الأردنيين.
إضافة للأمطار والثلوج، فقد ظهرت سماء المملكة في تلك الفترة بألوان زاهية مثل الأحمر والبرتقالي قبل شروق الشمس وبعد الغروب، بسبب الغازات التي علقت في طبقات الجو العليا وعندما تسقط اشعة الشمس عليها من زاوية مائلة وليست عمودية كما هو الحال عند غروب الشمس او الشروق فان جزيئات الغاز تعمل على انتشار الاشعة الحمراء والبرتقالية والصفراء لذلك ظهرت السماء بهذه الألوان الجميلة.
وفي سنة 2010 ثار بركان ضخم في ايسلندا نتج عنه كميات ضخمة من الغازات السامة والمعلقات الصلبة، ما أدى الى تعرض أوروبا في ذلك العام لشتاء شديد البرودة ومنخفضات قطبية قاسيه عطلت الحياة العامة في اوروبا لفترة زمنية طويلة، كما أدت هذه الظاهرة المناخية الى تعرض منطقة شمال افريقيا وشرق المتوسط لتغيرات مناخية واضحة.
وعليه، فان خبراء الطقس لا يستبعدون حدوث تغيرات مناخية في مختلف مناطق الكرة الأرضية نتيجة حرائق غابات الامازون في المواسم المطرية المقبلة، حيث ان الاعتدال الخريفي على الأبواب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ومن بعده فصل الشتاء، لذلك يمكن القول ان على العالم الاستعداد لفصل الشتاء القادم او الذي يليه قد يكون قاسيا نوعا ما !!