نيروز الاخبارية : قبل أيام طالعت بيانا شعبيا يتناول كوكبة من قواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية وكان ما ورد فيه تبرير امام الناس لقيام الدرك بواجبهم الميداني والذي وصف حينها بأنه تعامل قاسي وخشن وقد تعرض أداء الدرك للنقد من هذا الجانب ومع افتراض حسن النية في البيان إلا أنه كان مستفزا جدا من حيث محاولة إيجاد مخرج ( للتعامل الخشن ) تحت بند ( رجل الدرك عبد مأمور وينفذ الاوامر .. ) !!
من أسوأ ما ابتلينا فيه في هذا الوطن تحول ثقافة الرسالة في الوظيفة العامة لثقافة الأمتياز والمكاسب حتى افرغنا أسمى واجب وأشرف مهنة في الدنيا كلها المتمثلة بالتضحية بالنفس لتحيا نفوس الاخرين من مضمونها وجوهرها وقيمتها وزيفنا فيها الوعي وارخينا فيها الضمير للتبرير وشوهنا فيها الفكرة حتى تسربت قيم فاسدة لتصورات المجتمع عن الحقيقة التي تتجسد في قواتنا المسلحة من جيش واجهزة أمنية بأنهم رجال احرار وأصحاب قرار لا عبيد ولا مأمورين ..
جيشنا وأجهزتنا الأمنية هم خير من يفهم الواجب وخير من يؤديه وهم لا غيرهم أصحاب القرار الميداني ويقدرونه حق تقديره ولا أدري ما هو المطلوب من رجل الدرك عندما يتعرض لإطلاق النار من سلاح أوتوماتيكي هل سيرد عليه بالورود مثلا !!؟؟ نحمد الله ان الحكمة والاحترافية وحسن التدريب والتأهيل والشجاعة المفرطة وحسن الخلق هو ديدن رجالنا في الجيش والأمن ولولا ذاك لكنا خبرا عاجلا على الاخباريات العالمية ..
رجالنا ليسوا عبيدا بل سادة الاحرار يقدرون الظرف حق تقديره وهم من يتخذ القرار الميداني المناسب بأنفسهم ولا تملى عليهم تعليمات او اوامر من احد وهم اصحاب الولاية العامة قانونا ودستورا في حفظ امن واستقرار الوطن عندما تعجز كل جهات الدنيا عن القيام بواجبها فتزرع الشوك لتقلعه اجهزتنا الامنية بصمت رغم كل الالم ولا يجري ذلك وفق مراهقات أمنية بل يستند لمعطيات ومعلومات يقينية مؤكدة ولا يقوم عملهم على حالة الفزعة والغزوة والفوضى بل على المؤسسية والانضباطية والحرفية والقرار المدروس ..
منذ متى أصبح تفسير قيام الرجال بواجبها تجاه اوطانها وتفسير العمل المؤسسي الاحترافي المنضبط الدقيق ضربا من العبودية وأي ثقافة هذه التي يراد بها تحطيم اجمل قيم المروءة والفداء والشجاعة لافراغ العسكرية من الاخلاق والانتماء لقيمة أكبر من راتب ووظيفة وأي ثقافة تلك التي لا تفهم الشعار والقايش والتاريخ والهوية لتصور ان من يقدم روحه ليعيش غيره عبدا مأمورا !!؟؟