نيروز الاخبارية : بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو لم يعد يخفى على أحد المشهد الضبابي وحالة اللاوعي السياسي التي تلف تفكير وسلوك الكثير من الافراد وهؤلاء الذين يعتبرون انفسهم من طبقة النخبة، خصوصا عندما يتعلق الامر بحرية التفكير او اختلاف الرأي او المصلحة العليا للدولة فغالبا ما يتم تشويه المخالف ومحاولة شيطنته واقصاءه. على مر التاريخ تطورت الانظمة السياسية بتطور حالة الوعي السياسي لدى النخب الفكرية فشكلت حالة ضغط على النظام السياسي وبدعم شعبي استطاعت احداث التغيير المطلوب لتحقيق الصالح العام فاصبح الشعب مصدر السلطة من خلال انتخاب ممثليه في السلطة التشريعية كأحد أهم اركان النظام السياسي ومصدر شرعيته، وبذلك حصل التوازن لتحقيق الصالح العام. في الاردن تقدم النظام السياسي في بداية الخمسينات من القرن الماضي ووضع دستور 52 الذي كرس الفصل بين السلطات ووازن بينها واحترم ارادة الامة في التعبير عن ذاتها من أجل ان يعمل الجميع لتحقيق المصلحة العليا للدولة والحفاظ على حقوق الافراد وحرياتهم. ومع مرور الوقت حصل حالة ردة حقيقية في الفهم العام لدور المؤسسات السياسية في خلق الوعي وقد يلاحظ أي عاقل متفحص للحالة العامة تراجع مستوى الوعي السياسي، لدى الشريحة الكبرى في المجتمع الا فئة قليلة من المثقفين الذين لا حول لهم ولاقوة. فالحكومة بدلا ان تعمل على خلق سياسات وقرارات لخدمة المصالح العليا اصبح التنافس على المناصب والمكاسب والاعطيات والمحاصصة والتنيفعات للاصدقاء والانسباء صبغة تلون أدائها وتميزه والامثلة كثيرة لا حصر لها والدليل ان في الاردن اكثر من 1000وزير ورئيس حكومة حالي وسابق، اضافة الى المناصب القيادية الكثيرة التي تخضع لمعايير مزاجية بحته، فارتبط المسؤول بمصالحة وكرس كل جهده ليخرج باعظم فائدة واقل عطاء. اما البرلمان فلا يخفى على احد انه قاعدة العمل السياسي في الدول الديمقراطية وحالة متقدمة للتعبير عن وعي الناس وقدرتهم على الاختيار وانعكاس حقيقي لحريتهم ويجب ان يرسم الطريق للحكومة ويقيم ادائها فبدلا من هذا كله اصبح البرلمان لدينا منتج لنواب غير متجانسين برامجيا وفكريا وكرس حالة الفردية والاستعراض لانه لا يوجد اي برنامج مشترك متفق عليه وهذا زاد في تكريس حالة اللاوعي السياسي وأصبحت علاقة الناخب بالنائب علاقة مصلحة فردية شخصية لا تمس جوهر عمل البرلمانات في الدول الديمقراطية فأصبح لدينا هياكل مؤسسية دون روح فكان الاداء باهت فعزز حالة انعدام الثقة بين السلطة والمواطن. والسبب في ذلك عجز السلطة التشريعية والتنفيذية والنخب السياسية في ايجاد قانون انتخاب عصري يعزز الوعي السياسي والعمل الجماعي وخلق مجتمع سياسي في حدوده الدنيا، فاصبح التفاق والرشوة هي اساس الجدارة وليس الكفاءة، اما ما يتعلق بالعمل الحزبي فحدث ولا حرج، فقد خاب امل الشعب بقيام احزاب برامجية تقوم بدورها التوعوي فتشكلت احزاب على شكل دكاكين لا تقوى على شيء، فهي غير فاعلة سلبية تكرس حالة الانانية وعدم تكريس مفهوم المواطنة الفاعلة الحقيقية وهكذا كان دور النقابات التي طبع ادائها المغالبة وليس التفاعل على اساس الشراكة، والمتامل للحالة يجد انها صراعية قائمة على التنافس الشخصي وتسجيل البطولات والشاهد على ذلك خطابات المسؤولين غير الواقعية وهذا ما لمسناه على هامش المؤتمر الاقتصادي الاخير إذ حاول مسؤولون حكوميون التحدث عن انجازات غير موجودة دون اي رادع او محاسبة حقيقية لاقوالهم التي لا تطابق افعالهم. *استاذ العلوم السياسية جامعة البترا *ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري *كاتب في الشأن المحلي والاقليمي.