يمر أيلول ويعبر بنا نحو نهاياته ، ومثلما الصيف يلملم عبائته راحلا ، يرحل معه أحد أبطال الجيش العربي اليوم ، المقدم المتقاعد نبيه فلاح السحيمات الذي قاد السرية الثالثة من كتيبة الحسين الثانية التي قاتلت بشجاعة الفرسان في القدس المدينة إبان حرب عام ١٩٦٧ .
نبيه سحيمات شاهدته قبل سنوات على شاشة التلفزيون الأردني وضمن برنامج " أبطال من بلدي " ، وهو يروي ذكريات قتاله في شوارع القدس ، كان يعتمر شماغه الأحمر وبكل هيبة الأردني النبيل والكركي الشهم ، ومن ذاكرة زاخرة بتفاصيل العسكر ، وأسماء الجند والشهداء ، يروي كيف قاتل الأردنيون والجيش العربي عن القدس وفي الشيخ جراح وتل الذخيرة وباب العامود ومندلبوم والمصرارة ودار نسيبة ودار المصري ودار الخطيب ووداي الجوز .
العسكر جزء ناصع من تاريخ بلادنا ، وعندما يرحلون ترحل معهم ذكريات من فخر وعز ورصاص وبارود ودم وشهادة ، هم من جعلوا فلسطين ليست قضية وكلمات وقصائد وإنما شاهدا حيا أمام دخلاء التاريخ وناكري الحقائق، وأمام كل حر شريف محب لوطنه .
يقول المرحوم البطل نبيه سحيمات في إحدى مذكراته الشفهية غير المكتوبة :
" صباح الثلاثاء ٦-٦-١٩٦٧ ابلغني قائد الكتيبة (الشهيد منصور كريشان ) بأن جيش العدو الإسرائيلي احتل منطقة السرية الثانية في الشيخ جراح (تل الذخيرة) واحتل مواقع السرية الأولى والتي تقع بين سريتي الثالثة والسرية الثانية، والعدو الآن متوجه إليك إلى مواقعك، وأوصني بقوله حرفيا " أبوي نبيه القتال من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت والنار ولا العار" وأجبته " ابشر يا أبو مازن لن تسمع عنا إلا كل طيب إن شاء الله". فقمت بإعادة توزيع جنودي والأسلحة المقاومة للدروع في مواقع جديدة داخل المدينة عند نقاط اقتراب دبابات العدو، حيث أصبح القتال قتال شوارع ومناطق مبنية. وبالفعل وصلت طلائع العدو من عدة محاور منها: محور "مندالبوم"، والمحور الثاني من شارع نابلس أسفل الشيخ جراح جنوباً وبأول الشارع قام إسرائيل بتوزيع هذا المحور إلى محورين الأول عن طريق نابلس باتجاه قيادتي والثاني سلك محور المحافظة- الإذاعة- البريد الآلي- باتجاه باب الساهره، ثم اتجهت دباباته إلى باب العامود ، والمحور الثالث من وادي الجوز باتجاه الجثمانية حيث انحرف قسم منها باتجاه وسط البلد خارج الأسوار، وتم تطويق مواقعي من جميع الاتجاهات، علما بأن قائد الكتيبة كريشان سبق وابلغني بأن جميع الدبابات الموجودة في المنطقة هي دبابات معادية. هذا وليعلم الجميع بان هذه المحاور لا يتجاوز كل محور فيها عشرات الأمتار. هذا وقد جرى الاشتباك مع إسرائيل من قبلي وقبل سريتي على مسافة أمتار تتقلص في كثير من الأحيان إلى الاشتباك بالحراب بالسلاح الأبيض والقنابل اليدوية داخل الخنادق الدفاعية..."
رحم الله نبيه سحيمات وكل أبطال الجيش العربي من الشهداء ومن الذين رحلوا ، ومن ينتظر منهم ، فهم الرجال الرجال الذين قدموا ولم يأخذوا، وبقوا على العهد وما بدلوا تبديلا