بداية اشعر بالقلق وانا أتابع ما يجري من عبث في مقدرات الوطن وما يتم من قرارات ترحيلية لازمة صعبة رافقها زخم شعبي مؤيد لمطالب المعلمين وسط شعور بالظلم وغياب العدالة، وعجز تام من قبل الادارة على ايجاد حلول منطقية ومقنعة تنهي هذه الازمة. ان استمرار الحال على ما هو عليه قد يدخل عوامل تصعيد جديدة منها انضمام النقابات المهنية والحراكيين ليقوموا بعمل اعتصامات لمساندة مطالب المعلمين التي تبدي نقابتهم صلابة وعناد منقطع النظير في المطالبة بحقوق المعلم بعد ان فشلت كل المحاولات في تسييس مجلس النقابة ومحاولة الحكومة الصاق التهمة بالاخوان المسلمين من أجل كسب تعاطف الناس بوجه النقابة. إن اطالة امد الازمة ليس بصالح الدولة فالجميع متضرر الطالب والمعلم والاجهزة والمجتمع بكل تكويناته إذ بدأنا نرى خلخلة في النسيج الوطني بسبب الاضراب، وأن كرة الثلج المتدحرجة بدأت تضيف الى كتلتها أوزان أخرى. فالحديث عن النقابات أو جماعات الضغط لا يجوز من خلال تبادل الاتهامات بل الجلوس والحوار وتقديم البدائل والحلول، لان اصل نشأة النقابات هو لحماية حقوق منتسبيها ومن المستغرب تسييس ادائها لان ذلك مُضر بحالة السلم المجتمعي، وجذور نشأة هذه النقابات يعود الى المفكر الانجليزي روبرت اوين الذي كان شاهد عصره على فسق وتسلط واستعباد الطبقة البرجوازية للعمال والضعفاء فأنشأ جمعيات تعاونية لادارة مصالح العمال وتخصيص جزء من ارباح رأس المال ليوزع عليهم، ومن هنا نشأت النقابات العمالية لتذود عن حقوق العمال بوجه استبداد السلطة وجور الطبقة البرجوازية ، واستطاعت فيما بعد ان تؤسس للعمل السياسي وانشأت احزاب مرتبطه بها وفعلا وصلت الى السلطة وحققت انجازات سياسية مهمة في بريطانيا والهند مثال على ذلك. ومن أسباب قوة النقابات نوعية العضو ووعيه وتجانس الاعضاء ووجود قضية يؤمنون بها وحجم العضوية فيها، إضافة الى وجود عوامل اخرى مؤثرة في صلابة موقفها هو ايمانهم بالحق والظلم الواقع عليهم في معيشتهم، رغم كل ما قيل ويقال، اضافة الى الرصيد الشعبي المؤيد لمطالب النقابة في ضوء انتشار الفساد والغنى الفاحش والتعدي على المال العام. اما اسباب فشل الحكومة في ايجاد حلول فيتمثل بـ اولا: النظرة الفوقية للحكومة واعتمادها على مؤسسات الدولة وخصوصا الامنية للخروج من هذا المأزق دون تكليف نفسها بشكل جدي البحث عن مخرج. ثانيا: كل المؤشرات التي نراها كمراقبين للاحداث هو عدم اكتراث الحكومة وقد يعطي ذلك مؤشر بان الحكومة غير معنية بحل الازمة لغايات في نفس يعقوب. ثالثا: الاعتماد على اشخاص غير موثوقين انتهازيين تاريخهم معروف كانت مهمتهم مهاجمة المعلمين ونقابتهم مما أوجد رد فعل لدى شريحة كبيرة من الناس نكاية بالحكومة وقد انتظروا هذه الفرصة ليعبروا عن سخطهم على الحكومة ليس حبا في المعلم بل سخطا على السياسات الحكومية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. رابعا: الاجراءات الاخيرة للحكومة، بعد صدور قرار المحكمة الادارية بإيقاف الاضراب فورا والعودة الى التدريس اثبتت انها قاصرة ولا تحظى بشعبية اطلاقا رغم الجهود التي تبذلها الاجهزة الامنية لتخفيف حدة التوتر. خامسا: تعامل الحكومة مع الشعب باستخفاف ومحاولتها اثبات قلة حيلتها في تأمين مبلغ العلاوة مما فتح عليها ابواب نقد واسعه طالت جميع تصرفاتها وتغولها وعدم عدالة التعيينات فيها والرواتب والامتيازات للمحاسيب، فكلما تفتح باب ينفتح عليها الف باب. مع كل هذا.. الدرس الوحيد الذي استفدناه، ونأمل ان تكون الفائدة ايجابية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو اننا دولة شرعية تحترم الراي والراي الاخر واننا نتعلم دروس ميدانية كل يوم بقيم الديمقراطية رغم التجاوزات الصغيرة التي تحصل هنا وهناك. حمل الله الوطن وقيادته وشعبه من كل مكروه. * استاذ العلوم السياسية جامعة البترا.