يخطئ من يظن أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، والإساءة الممنهجة يسهما في تعزيز الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة والمؤسسات العامة، ويخطئ أكثر من لا يدرك بأن المجتمعات التي لم تسهم في صناعة التكنولوجيا تعمل باضطراد على تعزيز الاستخدام الخاطئ لتلك الوسائل، سيّما وأن غياب المواجهة في الحوار عبر تلك الوسائل، واستفحال الجهل المغموس بالوقيعة، والردح، والإساءة؛ يؤدي بالقطع إلى غياب الحقيقة بل قتلها، وصناعة وعي مزيف، وخطاب مشوه واحتكار لقواعد الحوار، والسجال بإسلوب يضعف منظومة القيم الوطنية، والأخلاقية لمستويات خطرة ومقلقة.
إلى أين تسير الدولة؟!.
سؤال أصبح يُطرح بسوء نيَّة، ومحاولات إضعاف للموقف الأردني الذي يقوده جلالة الملك من صفقة القرن، والتحديات الأمنية، والاقتصادية أصبحت ماثلة للعيان، وأعداء الداخل وتجّار المواقف، ورواد السفارات واجهزتها أضحوا يصولون ويجولون دون رادع، أو مانع. أما أولئك الذين يرفعون سقف خطابهم ويلوثون الضمير الجمعي بخطاب متنمر مشكك بالأشخاص، والهيئات والمؤسسات، وجلد الذات إنّما يصادرون الحقيقة، ويؤذون الوطن ويعلنون خطاباً عدمياً بقصد خلط الأوراق، والمواقف وخدمة الأجنبي أو المصالح الآنية الضيقة على أقل تقدير.
الدولة لا تسير للمجهول، بل إلى الخير -إن شاء الله- وانكشاف عورة الدولة وبنيتها في ملفات داخلية في الأزمة الأخيرة أعقبه انخراط كبار المسؤولين في الدولة ومؤسساتها في مراجعة شاملة للتشريعات، والسياسات والقرارات من أجل لجم الاستقواء، وضبط إيقاع الأداء العام بما يحقق ثوابت الاستقرار الوطني، وتحييد المتنمرين على الدولة وأصحاب الأصوات المتمردة على الخطاب الجمعي الذي يحقق متطلبات الإصلاح؛ بعيداً عن الأجواء المسمومة والأجندات التي يغيب عنها الحرص ومتطلبات النصيحة الصادقة التي تخلو من النعيق الباهت المُدان.
الظاهرة الخطيرة الأخرى تكمن في عدم احترام قواعد الشراكة والمسؤولية الوطنية التضامنية للفريق الواحد في معظم المؤسسات. والغياب المتعمد عن تحمّل المسؤولية في الأداء العام، والهروب إلى الخطاب الخفي الذي يناقص أخلاقيات المسؤولية السياسية، واستعطاف خطاب الخصوم، والصمت المدان، والتنسيق مع قوى وأشخاص خارج منظومة العمل، ومحاولة التعجيل من عمر المؤسسات والسلطات، وإبداء النصائح المسمومة التي لا تنسجم مع شرف المسؤولية القانونية والأخلاقية، والأهم هو الإخلال بثوابت القسم، ومروءة احترام قواعد العيش، والملح على طاولة الأداء العام.
المجتمع الذي تخلى عن هويته الوطنية لحساب الهويات الفرعية هو مجتمع متهالك متحلل يمارس نضاله في الولائم، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمسؤول الذي يمارس أدواراً مناطقية وشخصية على حساب الوطن ويقتات على أخلاق الأردنيين؛ لغايات تحقيق مصالحه، وإقصاء مخالفيه في الرأي هو شخص يفتقر لأبسط قواعد المسؤولية الأخلاقية، وجماعات الضغط التي تستقوي على الوطن وتستمتع بإضعافه هي مؤسسات نفعية لا وطنية، وتخدم الأجنبي بقصد او بدون قصد ويجب لجمها وضبط إيقاع أدائها بما ينسجم مع التشريعات والثوابت الوطنية الذي يجب أن تكون غاية الأردنيين في شتى المواقف والمواقع.
الدولة هي أمنيات البقاء، وأي اقتراب من عذريتها هو اغتصاب لحرص الأردنيين في الحفاظ على مشروعنا الوطني والقومي، وهويتنا الناجزة، ومحاولات إنهاك للدولة ومؤسساتها يشكل بالضرورة خيانة للضمير الوطني وتضحيات البناة الأوائل الذين سطروا ملاحم المروءة ونصرة الوطن؛ بعيداً عن الاستقواء تارة، والعمالة للأجنبي تارة أخرى، والانحياز للمصالح الضيقة تارة ثالثة، واستجرار المغالطات والافتراءات في وسائل التواصل الاجتماعي إنّما يشكل تحريض على الدولة، وتحييد لأدوات الحكم الرشيد، وضرب للنسيج الوطني، وقتل لموجبات البحث عن الحقيقة، والحقيقة وحدها ولاشيء غيرها.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء...!!