تعود إلينا الذكرى الواحد والعشرون لوعد بلفور المشؤوم ونحن في قمة خذلاننا لقضية هي الأهم في المنطقة العربية، ويُفترض أن تكون شغلها الشاغل، لكن في ظل كثرة الملفات الصعبة التي تُحيط بكل دولة من دولنا، فقد تلاشى الإهتمام، وبات هذا الملف على الرُغم من حساسيته هو آخر ما نُفكر بطرحه والنقاش حياله. هذه المشاكل لم تأتي بمحض الصدفة، بل دأب الغرب وكل من له صالح في أشغالنا عن فلسطين وشعبها وقضيتها على إفتعالها، وبكل أسف نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً
من السذاجة اليوم أن نطلب من العرب التحرّك سريعاً لحل القضية، فهُم ولمّا كانوا بكامل قوّتهم، ويمتلكون شيء من إرادتهم لم يتحركوا، ولم تكن تلك المواقف الهزيلة ذات قيمة يمكن الإعتماد عليها في الضغط على ما تسمى بإسرائيل وأعوانها لأنهاء شكل الإحتلال. فكيف تتصدى دولنا المُنكسرة اليوم لأسرائيل وداعميها وهي في حالة إنهزام داخلي، كيف لتلك الدول أن تدافع عن فلسطين وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها وبقائها، كيف لدول على فراش الموت وتحت رحمة السياسة الأمريكية أن تقف بوجه تمدد اسرائيل وتقول لها كفى، كُفّي عن أرضنا وعرضنا ومسجدنا. لم يعد الوقت مُبكراً لنقول كلمتنا ونقف موقفنا...وها هي فلسطين أجمل أوطان الشرق، تمضي إلى الضياع، تحت غطاء صفقة جديدة، تُكيّفها إسرائيل كما تشاء، وتُباركها السياسة الأمريكية متى ما تشاء وبموافقة بعض الأخوّة، والآخرين منهم يُحاول أن يتصدى ويُثابر في ذلك. ولكن اليد الواحدة لا تصفق، والدولة المُنحازة للقضية قد لا يُكتب لها نجاح موقفها القومي، أمام مواقف خائنة للقومية وللقضية.
إنها أقسى الذكريات التي تُمر علينا كعرب، ليس لأن بلفور وعد بشيء لا يملك حق التصرف فيه لمن ليس لهم حقٌ به، فهو ليس إله وقوله مُقدس، وليس رسولاً وكلامه مُصدّق. بل لأننا نحن من إعتبرناه كذلك وأنفذنا وعده، وصدقناهُ وشرّعناهُ ثم بكينا وتألمنا من تداعياته على فلسطين وعلينا، منذ البداية نحن من واجهناهُ بالخنوع والخضوع، وكانت ردودنا عليه لا ترقى لكونها حبر على ورق.
الوحيد الذي كفر بهذا الوعد هو الشعب الفلسطيني الذي يؤمن بحقه، والذي لم يتخلى عن وطنه، والذي صمد طوال السنوات المُجحفة وما زال وسيبقى، لا تهمه إفتراضيات الواقع، ولن تكسر عزيمته المواجع، لا يعترف بكل الإعترافات، ولا يخشى الموت أمام الدبابات، هو يؤمن بأن الحق سيعود لأصحابه ولو بعد حين، وسيزول الظلم، والوعود الظالمة، وستعود فلسطين للفلسطينيين وللعرب، رغماً عن كل الوعود... وذلك هو وعد الله الأحق والأصدق.