لا اعرف من أين ابدأ بالحديث يا سيدي يا رسول الله في ذكرى مولدك الذي أضاء الكون بهاء وإشراقا....هل أبدأ من نبع الصدق والامانة؟ ام ابدا من خلقك العظيم الذي نشر الرحمة للعالمين؟ يا سيدي يا رسول الله إن اليراع يقف عاجزا وان كلمات البشر تقف متهاوية ركيكة أمام عظمة سيرة شخصيتك التي صاغتها يد الحكيم العليم بكل عنايتها لتكون صورة الكمال الإنساني الأمثل، ولتكون الرسالة التي حملتها رحمة للعالمين في واقع تقر له العقول وتطمئن إليه القلوب.
في هذه الذكرى نؤكد أن شريعة الاسلام جاءت لتجمع بين عنصري الثبات والمرونة، ويتجلى الثبات في أصولها و كلياتها وقطعيتاها، وتتجلى المرونة في فروعها وجزئياتها وظنياتها، فالثبات يمنعها من الميوعة والذوبان في غيرها من الشرائع، والمرونة تجعلها تستجيب لكل مستجدات العصر ضمن منظومة اخلاقية متكاملة. وهذا ما اكدته رسالة عمان التي اصدرها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عام 2004م التي تضمنت ان الدين الإسلامي الحنيف قام على التوازن والاعتدال والوسطية والتيسير والانخراط والمشاركة في المجتمع الإنساني المعاصر والإسهام في رقيّه وتقدّمه، إبرازاً أميناً لحقيقتنا وتعبيراً صادقاً عن سلامة إيماننا وعقائدنا المبنية على دعوة الحق سبحانه وتعالى للتآلف والتقوى.
ويحضرني هنا موقف الشاعر اللبناني المسيحي المهاجر رشيد الخوري "الشاعر القروي" الذي ألقى كلمة في حفل بمناسبة المولد النبوي اقيم في مدينة سان باولو البرازيلية واقتبس منها " ايها المسلمون .... ايها العرب... ينسب اعداؤكم الى دينكم كل فرية ...ودينكم من بهتانهم براء.... يا محمد ... يا نبي الله حقا فدينك دين الفطرة السليمة...واني موقن أن الانسانية بعد أن يئست من كل فلسفاتها وعلومها سوف لا تجد مخرجا من مأزقها وراحة روحها..... وصلاح أمرها إلاّ بالارتماء بأحضان الاسلام".
ومن الجدير ان أذكر هنا ما بعض قاله المنصفون من قادة الفكر في العالم عن سيدنا محمد حيث أن أقلامهم شهدت شهادة حق سطرها التاريخ: فهذا الاديب الانجليزي جورج ويلز قال: "محمد اقوى من اقام دولة للعدل والتسامح" كما قال الفيلسوف تولستوي: "شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة".
ولكن عذرا يا سيدي يا رسول الله هناك من خرج عن نهجك من خوارج العصر الذين شوّهوا صورة ديننا الوسطي الحنيف بفتاويهم المرجفة وانحراف منهجهم وسوداوية افكارهم من جهة واباحة القتل والتدمير من جهة ثانية والفتك بالإرث الحضاري من جهة ثالثة كل ذلك باسم الدين ويثيرون الفتن باسم الدين واسلامنا الحنيف منهم براء واخلاق النبوة والرسالة التي جئت بها للعالمين منهم براء.
وهنا، فان الأمل معقود على علماء أمتنا أن ينّوروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة عقول أجيالنا الشابّة، لتجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعيّة، وتبعدهم عن مهاوي التطرّف والتشنج المدمّرة للروح والجسد؛ كما نتطلع إلى نهوض علمائنا إلى الاسهام في تفعيل مسيرتنا وتحقيق أولوياتنا بأن يكونوا القدوة والمثل في الدين والخلق والسّلوك والخطاب الرّاشد المستنير بدقّة العلم وبصيرة الحكمة، وأن يستشرفوا آفاق المستقبل والتصدي للتحديات.
أعاد الله هذه المناسبة ونحن على درب المصطفى سائرون وعلى نهجه القويم مهتدون وحمى الله أردننا الغالي وقيادتنا الهاشمية الحكيمة وأن ’ينعم على وطننا بالخير والازدهار وعلى امتنا بالسؤدد والصلاح وهدوء البال والاستقرار.
*كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
عميد كلية الصيدلة في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا سابقا