الحقيقة الماثلة للعيان والتي لا تحتاج إلى برهان هي أن الإسناد الشعبي ضرورة لإعادة الثقة بالجهود الوطنية في ظل توجيهات ملكية حازمة وإرادة سياسية حقيقية لضرورة اجتثاث الفساد، وتعزيز حرمة المال العام والثقة العامة، ولعلَّني بحكم خبرتي في مجال المعايير الدولية لمكافحة الفساد؛ أكاد أزعم بأن الإرادة السياسية العليا، وسلوك الحكومة الحالي بعد التعديل، ووجود مجلس قوي متجانس لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد من العناصر الإيجابية المتوافرة التي يتوجب استغلالها بسرعة وبإسناد شعبي حقيقي لجهود الهيئة، وليكن لهذا الاختبار والإسناد لمدة عام يجري التقييم الموضوعي بعده بحيادية وإنصاف.
ودعونا نتفق على تسمية الأمور بمسمياتها، ونعلن أن أنصاف الحلول في مجال تعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد لا تسمن ولا تغني من جوع؛ إذا كان المطلوب تعزيز الثقة الشعبية، وتوفير بيئة خصبة للاستثمار، وتفعيل مبدأ سيادة القانون، ودعونا نتفق أكثر أن مراقبة نمو الثروة غير المشروطة هي وحدها الكفيلة بهروب قوافل الفاسدين من إشغال المواقع العامة في الحكومة، والبرلمان وغيرها، بل آن الأوان لنعترف بأن مراحل العفن السياسي المغلفة بأثواب الحرص والفضيلة قد ولّت إلى غير رجعة، بعد أن فتكت بالوطن ردحاً طويلاً من الزمن.
خطوات بسيطة، وقرارات ثابتة، وتعديلات تشريعية جريئة كفيلة بتغيير للنمط السائد المتعفن في الأداء، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية في الخلاص العام من ازدواجية الشعور، والانتماء والخطاب إلى أفق الشفافية والمساواة، وسيادة القانون ونبذ أدوات الشللية، والجهوية، والعرقية، والطائفية لحساب الثقة العامة، والوطنية الصادقة التي تجد لها مساحات فاعلة في أفق الوطن الرحب، المال الأسود فساد، ولا حصانة لمشتبه به بالفساد من التحقيق، والمحاكمة، وكل من يريد أن يتصدى للموقع العام أن يتعرى من سريته المصرفية، ويعترف بحق المؤسسات الرقابية في مراقبة نمو ثروته، وإزالة كل النصوص القانونية التي تشكل قيداً على المساواة بين الاردنيين.
الإسناد الشعبي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد يُفقد كل الجهات المبرر، والاحتمال بعدم رفع الحصانة عن أي شخص متهم، أو به شبهة من فساد، ويلغي أدوات الردح السياسي، وخطابات الحرص المزورة، ويزيل كل التناقضات التي كانت على الدوام حاجزاً تحول دون قيام دولة القانون والمؤسسات، بل اأن ن الإسناد الشعبي يعزز ثقة مجلس الهيئة بقدرته على كسر ظهر الفساد، ويفتح الآفاق لفتح ملفات مهمة وهدر مدان في مؤسسات حيوية في الدولة يتم التحقق بشأنها تباعاً في ضوء إدراكنا بأن الفساد جريمة لا تخضع للتقادم المسقط للعقوبة مهما طال الزمن أو قصر.
إذا ترافق الإسناد الشعبي مع تفعيل دور ديوان المحاسبة، والغذاء والدواء، والحكومة، واللجنة المالية في مجلس النواب وضباط الامتثال في الدوائر الخدمية؛ سيؤدي ذلك إلى فتح ملفات مهمة، وإذا حرصت الحكومة، والبرلمان على تعديل التشريعات وحوكمتها بما يخدم الجهود الوطنية لمكافحة الفساد ومنها قانون الهيئة، والعقوبات، والانتخاب والجمارك، والمنطقة الاقتصادية، ونظام حماية الشهود والمبلغين بما يضمن حمايتهم، واعتماد المعايير الدولية في الحوكمة والرصد وحق الحصول على المعلومة وحرية الإعلام المنضبطة، وانتهاج أساليب حديثة في فحص المعلومات واختبارها، وتدريب كوادر الهيئة على العمل بعيداً عن ضغط الرأي العام، والمزاج المتأزم.
الإسناد الشعبي ضروري في الأشهر القادمة لحسم ملفات مهمة، وفي ظل استعداد حكومي صادق للتعاون في ملف النزاهة ومكافحة الفساد، وعلى النخب الوطنية الحيَّة انتهاز الفرصة؛ لتعزيز الجهود الوطنية لكسر ظهر الفساد والولوج في خطة وطنية واعية تتضمن سياسات وقرارات وتشريعات فاعلة في هذا الشأن، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!!