أبارك لإخواننا المسيحيين فرحة عيدهم في الفصح المجيد، وأرجو الله مخلصاً للجميع مسيحيين ومسلمين حياة ملؤها المحبة والسلام والتلاحم والعيش الرغيد والمشترك، فاﻷردن بيت التآخي والتعايش والسلام وإحترام اﻵخر والتسامح وينصهر في بوتقته نسيج إجتماعي نموذج، عيشنا المشترك والتعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين على أرض الأردن يشكل نموذجاً يحتذى على مستوى العالم، وإخواننا المسيحيين العرب مكوّن أساسي وجزء رئيس من نسيجنا اﻹجتماعي الذي نحترم ونشاركهم أعيادهم كما يشاركوننا أعيادنا، فهم ليسوا طائفه بل أهل وأحبة فعيشنا ونسيجنا وهمّنا واحد، وهوّيتنا وتاريخنا واحد، وكلنا على الواجهة لمحاربة الجوائح والتطرف والأزمات، ففي زمن كورونا وكل وقت كلنا في خندق الوطن وخلف قيادته الهاشمية ولا نقبل لأيّ كان بأن يعكّر صفونا في هذا الوطن:
1. في عيد الفصح المجيد الذي ندعو الله فيه لإخواننا المسيحيين بالسعادة والحياة الفُضلى، ونبارك لهم من قلوبنا فرحتهم والتي تأتي في وسط زمان جائحة كورونا التي وفق توجيهات سيدنا حفظه الله تعالى أبدعت فيها الأجهزة الرسمية والجيش والأجهزة الأمنية والكوادر الطبية والخدماتية وغيرهما، كما سجّل الشعب الأردني وضيوف الوطن إلتزاماً منقطع النظير في تطبيق التعليمات، في هذا العيد الذي يأتي في أسبوع بداية رمضان عند المسلمين ليؤكد بأن أصل الدين واحد وأن الدين علاقة بين العبد وربّه دونما شوفيّة أو رياء.
2. الدين الخُلق والمعاملة، وليس العبادة فحسب والتي تسجّل لصاحبها، فالإيمان يقتضى معاملة الناس بالحُسنى والخُلق الحَسَن أنى كان دينهم أو سلوكهم معنا، ولكل شيء أخلاقيات فهي الإطار المهم لضبط السلوكيات الحَسنة، وهي الضمير الحي الذي يضبط القانون وتطبيقه، وهي رأس المال الحقيقي لسمعة الإنسان، فهلّا بادرنا بتصويب السلبيات الممكنة منها!
3. كلنا مسلمون ومسيحيون أصحاب همّ وثقافة مشتركة في محاربة الفكر المتطرف واﻹرهاب الذي لا دين له للعيش بأمن وسلام، وتماسك جبهتنا الداخلية والحفاظ على وحدتنا الوطنية المثلى مطلوب لتفويت الفرص على المندسين والمفتنيين والفايروسات من بني الإنس ومرضى القلوب الذين هم أخطر من فايروس كورونا والذين يحاولون العبث في نسيجنا الإجتماعي الأردني بشتّى الوسائل؛ ولن نسمح لأي منهم بالإساءة لديننا البتة.
4. فايروس كورونا وأي جائحة عابرة للحدود لا تفرّق بين هذا وذاك ولا مسلم ومسيحي ولا شمالي وجنوبي ولا شرقي أو غربي ولا أي وتر يحاول المغرضون العزف عليه للفتنة، فكورونا عدوّ للإنسانية وخطر عليها جمعاء، فلندعو للسلام والمحبة ولندعو لجميع الإنسانية أنّى كانت ديانتهم أو عرقهم أو منبتهم ولا يجوز وليس من أخلاقنا ولا ديننا أن نخصّ بني ديننا أو جنسنا بالدعاء فقط!
5. الدعاء في المرض والجوائح والأزمات يكون لكل الناس والإنسانية جمعاء، فربّ العزّة يقبل الدعاء للجميع ليشافي الجميع أنّى كان دينهم أو هويتهم أو عرقهم، والقلة القليلة التي تحاول إستفزاز الآخرين في دعائهم متطرفون سواء كان هذا الدعاء بإستثناءهم أو إستفزازهم.، مع الأسف.
6. علينا إنتزاع وشطب كل أنواع الكراهية من قلوبنا، فالعنصرية البغيضة قاتلة لصاحبها، وخطورة هذه الثقافات اللعينة التي تحمل طابع الكراهية والحسد والضغينة والأنانية أن يتوارثها الأجيال القادمة لزرع الفتن والنظرات والقلوب الصفراء المريضة بين بني المجتمع لتفسد المستقبل بين الناس، وأجزم بأنه لا يقبل ذلك أحد صاحب نفسية متصالح مع نفسه أو مُحبّ للناس لأنها تدمّر مجتمع برمّته.
7. مطلوب توظيف نقاط قوة ومنابر وأذرع أتباع الدينين الإسلامي والمسيحي لتعظيم القيم الإيجابية النبيلة ونبذ وتعرية المتطرفين وأصحاب القلوب المريضة والمليئة بالكراهية والخوارج لأجل بناء مجتمع إنساني متحاب ومتكافل ومنسجم وفق الرسالات السماوية التي تدعو لذلك، ولنبذ كل مظاهر التخلّف والفتنة ونشر ثقافة حبّ الخير للناس لأن الدين المعاملة والأخلاق التي تعكس ذلك على صاحبها.
8. الإستفزازيون أيضاً ورافعو شعارات التطرّف يفوّتون على الوطن كل الجهود الوطنية المخلصة والناجحة والتي يقف فيها الطبيب المسيحي لجانب أخيه الصيدلاني والممرض المسلم، ويقف فيها الضابط المسلم لجانب أخية الجندي المسيحي، يقفون على أطول خطّ لمواجهة فايروس كورونا لمنع إنتشاره للأردنيين والإنسانية جمعاء.
9. في يوم عيد الفصح المجيد وأسبوع هلال رمضان تمتزج الروح الإنسانية والوطنية على أرض المملكة الأردنية الهاشمية ضمن كوادرنا الطبية التي نعتز بها لنرى الطبيب المسلم يعالج المريض المسيحي والعكس صحيح، وكثير من الأمثلة على ذلك، وهذه رسالة إنسانية لا ينكرها إلّا متطرّف ومُفتن.
10. ولعلّ ما ورد من آية في القرآن الكريم عند قوله تعالى: "والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً"، مؤشر على أن كل أهل الكتاب سيؤمنون بالله تعالى وكل الرسل السماوية محمد وعيسى عليهما السلام ولكل دينه والتعامل بين الناس مبني على خُلقهم ومعاملاتهم.
11. تزاوج وإنصهار وتلاحم القيم النبيلة للدينين بين أتباعهم والذين يربو عددهم عن أربعة مليارات يمكن توظيفها في نشر ثقافة السلام والمحبة والتسامح لغايات المحاربة الفكرية لأعداء السلم والعالمية الحسنة على سبيل إعادة عناصر الخير في العالم، وفي الوقت الذي نتسذكر فيه تعاليم وقيم الدينين الإسلامي والمسيحي من محبة ورحمة وتسامح وغيرها، إلّا أننا نستنكر في ذات الوقت كل عمل يدعو للفتنة وفي قلوبنا غصّة جراء ما فعله خوارج العصر وغيرهم من تطرّف وإرهاب لتشويه هذه القيم النبيلة.
12. رحم الله شهداءنا اﻷبرار في كل المعارك التي دافعت عن الحق في اللطرون وباب الواد وأسوار القدس والكرامة والجولان وفي كل البلدان التي عمل فيها جيشنا العربي لأجل السلام، ونقدر وقفة أخواننا المسيحيين بجانب الحق العربي في فلسطين المحتلة؛ فالمقدّسات المسيحية كالمقدسات الإسلامية دُنّسا من المحتل الغاصب بنفس الدرجة.
12. الأردن يمتلك بيئة المواطنة والعيش المشترك والنسيج الإجتماعي المنسجم والحضارة والوحدة الوطنية والتآخي ويُعزّز القيم الإيجابية بين أتباع الدينين الإسلامي والمسيحي، والأردنيون ينبذون التفرقة وعزف الأوتار والطائفية المقيتة، ونحمد الله تعالى على نموذج عيشنا المشترك ولغة الإحترام التي تسود بيننا، فخصوصية الأردن تأتي من أن قيادته الهاشمية المظفرة هي من سبط النبي الأعظم محمد عليه السلام وآل البيت الأطهار، وجلالة الملك عبدالله الثاني هو المعزّز الأول لقيم التآخي بين الدينين الإسلامي والمسيحي؛ ولذلك فثقافتنا واحدة هي ثقافة الحضارة العربية الإسلامية.
بصراحة: نبارك ﻹخواننا المسيحيين عيد فصحهم المجيد ونشاطرهم إياها فهم أهل وأحبة فعيشنا واحد ونسيجنا واحد وهمنا واحد، ونبارك للمسلمين والجميع قدوم رمضان الخير؛ وندعو للإنسانية جمعاء بالسلام واﻷمن والمحبة والإحترام، وندعو كل صاحب أجنده وتطرّف تغرّد خارج سرب الإنسانية أن يثوب إلى رُشده، لأن ذلك ليس من ديننا ولا عاداتنا وتقاليدنا أو موروثنا الحضاري، وندعو الله مخلصين أن يحفظ الأردن الوطن من كل مكروة بقيادة سيدنا أبا الحسين ويديم علينا نِعَم الأمن والأمان والصحة والسلامة، ويبعد عنا شرّ الوباء والبلاء، ونتطلّع لنعود نسمع الآذان في المساجد والأجراس في الكنائس؛ وتعود الصلوات في المساجد والكنائس؛ لتزول غُمّة كورونا وتعود الحياة لطبيعتها، آمين.