في الأيام التي مضت من الشهر الكريم، تابعت بضع حلقات متفرقة من الإنتاج الرمضاني الأردني الكوميدي ، في موسم بالتأكيد ألم به ما ألم بطيف واسع من تفاصيل الحياة اليومية على خلفيّة انتشار فيروس كورونا، بادئ ذي بدء، أود أن أشير قبل أن أشرع في سرد ملاحظاتي الانطباعية على الإنتاج المطروح هذا الموسم، أنني لست بناقد بالتأكيد، وإنما مُجرد مواطن عادي لا تخضع مشاهداته الرمضانية لمعايير النقد الصارمة، وأبرز ملاحظاته لهذا الموسم، سواد حالة من الفهم الخاطئ للكوميديا، قد يكون غالبًا على أعمال هذا الموسم، ومجافيًا لتراث طويل من الكوميديا الأردنيه الراقية التي عودتنا على اقتناص البسمات بهدوء وسلاسة وفي إطار الموقف، في مقابل حالة من محاولة الإضحاك بالصراخ والصخب، وصُنع حالة من الضحك الإجباري، بالتشويش على المشاهد وإيهامه أن هنالك بالمشهد ما يدعو للضحك، بالرغم من أنه إذ ما دقق النظر، لن يجد في الأمر ما يضحك البتة، بقدر ما يثير التأمل على نحو سلبي، حتى أن أحد أبطال أحد المسلسلات الكوميديه خرج على مواقع التواصل الاجتماعي ليعلن بأن عمله لم يقبل في وطنه الأصلي .. اللافت في الأمر أن هذا المسلسل قد حظي بإنتاج بأحد القنوات الفضائية الاردنيه .
في اعتقادي، هناك اختلاف كبير بين مستوى تأثير العمل الفني في وجدان المشاهدين، ومساهمته في إمتاعهم بالفكرة الذكية والحيلة والنص الاحترافي، وبين تمخُض العمل بشكل نهائي عن ارتفاع أسهم صُناعه على مواقع التواصل الاجتماعي وصعودهم على قمة "التريند"، فالفن يُهذب أولًا ويُلهم الجماهير، قبل أن يستفز لوحة المفاتيح على هواتفهم لإعادة تدوير نكات لحظية ومقتطفات ربما لن يذكروها العام القادم بل ولن يسترجعوها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وفضلًا عن أن نسبة من الأعمال الكوميدية المُعاصرة لا تخترق عمق أذهان المشاهدين، فإنها بالضرورة لا تخرج بالجودة الكافية التي تضمن لها موقعًا على قوائم التراث الفني الأردني ، بل هي أقرب لوجبات سريعة، تُنفذ على عُجالة وتُستهلك على عجالة، وأغلب الظن لن تحيا بما فيه الكفاية كي تتأملها الأجيال القادمة أو حتى تتناولها بالنقض والتحليل لمعرفة حالة الصناعة الفنية المحلية في فترتنا هذه وتعلُم دروس عملية منها وعدم الوقوع في الفخ ذاته.
ملاحظة قديمة جديدة،استنبطتها حقيقة من العوده الى أسباب تراجع الدراما الأردنيه في الآونة الأخيرة أود أن أشير لها في هذا السياق، وعلى ما يبدو سيتعين عليّ تكرارها مرارًا إذا لم يكن هناك نقله نوعيه في هذا المجال ، ألا وهي أن أي مشكلة في إنتاجنا الدرامي يمكننا أن نردها لتراجع الاهتمام بالمسرح الجامعي، ومن قبله المسرح المدرسي، والذين عملوا في السابق ككشاف للمواهب الكامنة بين الصفوف.. إزالة الغبار عنها، تهذيبها وتدريبها، وخلق كوادر تستحق تقلُد مراتب النجوميّة عن جدارة واستحقاق، وليس أدل على ذلك بالتأكيد سوى رموز درامية أردنيه استطاعت أن تخطف قلوب المشاهدين الأردنيين خصوصًا والمشاهدين العرب عمومًا، على مدار عقود، فيما كان المسرح الجامعي بيتهم الأول وموطن اكتشاف مواهبهم، وأكاد أزعم أن تراجع الاهتمام بالمسرح الجامعي في السنوات الأخيرة، هو ما يجعلنا حبيسي هذا الظرف من الكوميديا المأزومة، في مقابل تراث راقٍ نفتقده بشدة هذه الأيام.
وحقيقة لسنا مجبورين على جبر الخواطر على حساب قيمنا وتقاليدنا الإجتماعيه الأردنيه الأصيله بقبول أعمال تافهه ليس لها أي وزن ثقافي لا يليق بمستوى مشاهدينا من رواد الأعمال الكوميديه ومتابعيها حتى لانعزف لحن الخيبة على وتر الوطن .
وأؤكد أنني لست بناقد بالتأكيد، وإنما مُجرد مواطن عادي لا تخضع مشاهداته الرمضانية لمعايير النقد الصارمة.