أعلنت السلطات الصينية في منطقة منغوليا شمال الصين القارية، عن تسجيل إصابة مؤكدة بالطاعون الدُّمّلي لدى راعي ماشية، في خلال نهاية الأسبوع الماضي. وقالت اللجنة الصحية في مدينة بايانور، في بيان، إن حالة المصاب مستقرة وهو في مستشفى داخل المدينة. ومنعت اللجنة صيد وتناول الحيوانات التي قد تكون حاملة للطاعون، ولا سيما المرموط (نوع من السناجب وأكبرها)، حتى نهاية العام، وحضّت السكان على الإبلاغ عن وجود أي قوارض مريضة أو ميتة. بالإضافة إلى ذلك، تحقق السلطات في شبهة إصابة ثاني ة، تعود إلى فتى يبلغ من العمر 15 عاماً، عانى ارتفاعاً في الحرارة بعد تناوله مرموطاً اصطاده كلب.
تتسبّب بمرض الطاعون بكتيريا تُسمى «يرسينيا بستيس». الأخيرة تنتقل من القوارض، مثل الفئران أو السناجب، إلى الإنسان عبر البراغيث التي تعيش على أجسادها، والتي بدورها تقوم بنقل الطاعون إلى الإنسان بعد أن تقوم بلدغ جلده. يستطيع البشر في يومنا هذا علاج الطاعون بكل سهولة، إذا ما تم تشخيص الإصابة سريعاً، وعبر المضادات الحيوية (Antibiotics) المناسبة. غير أن ترك المصاب بلا علاج يؤدي إلى عوارض وتعقيدات كثيرة. العوارض الأوّلية تشبه عوارض الإنفلونزا، مثل ارتفاع درجة حرارة الجسد، بعده تتكاثر البكتيريا في العقد الليمفاوية (تتضخّم وتصبح مؤلمة جداً) الأقرب إلى حيث لدغت البراغيث المصاب، ويمكن أن تنتشر البكتيريا إلى أجزاء أخرى من الجسم.
للطاعون أنواع ثلاثة:
الأوّل، الطاعون الدُّمّلي، وهو أشهرها، قتل بين عامَي 1347 و1351 أكثر من 50 مليون إنسان بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، وسمّي يومها بـ«الموت الأسود» أو «الطاعون الأسود». ولا ينتقل هذا النوع بين البشر، بل عبر البراغيث المتواجدة على القوارض أو عبر تعرّض البشر لسوائل تلك الحيوانات المصابة. معدّل الوفاة بهذا النوع، إن لم يخضع المصاب للعلاج، هو بين 30 إلى 100 في المئة.
الثاني، الطاعون الرئوي، ويمكن للطاعون الدُّمّلي بعد أن ينتشر في جسد المريض أن يصيب الرئة أيضاً، في هذه الحالة يصبح المرض قادراً على التنقل بين البشر عبر السعال أو العطاس. معدل الوفاة من 90 إلى 95 في المئة.
الثالث، طاعون تسمّم الدم، وهو الأقل شهرةً وانتشاراً. عوارضه تتمثّل بحرارة مرتفعة جداً وتبقّعات جسدية باللون الأرجواني، يتقدم المرض في هذه الحالة بشكل سريع لدرجة لا تسمح للعقد اللمفاوية بأن تتورّم حتى. معدل الوفاة 100في المئة.
هل يمكن أن يصبح وباء عالمياً؟
في الواقع، الأمر شبه مستحيل في يومنا هذا. فالطاعون عبارة عن بكتيريا، وليس فيروساً مثل «كورونا». والبكتيريا، بغالبيتها، يمكن القضاء عليها بالمضادات الحيوية المناسبة. لكن تبقى الخطورة هنا، في سرعة تشخيص الإصابة وسرعة تحديد المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها قوارض مصابة بالمرض، إذ حتى أقل الأمراض خطورةً، يمكن أن يكون وقعه صعباً على المستشفيات في حال أصيب عدد كبير من الناس دفعة واحدة، وذلك بسبب عدم قدرة مستشفيات أي دولة في العالم على أن تستوعب ذلك العدد الكبير من الناس. يشبه الأمر ما حصل مع فيروس «كورونا»، إذ فرضت دول العالم الحجر الصحي لمنع انهيار مرافقها الصحية، الأمر الذي لو حصل كان سيسبب ارتفاعاً هائلاً في عدد الوفيات. ليست هذه المرة الأولى التي يعود فيها الطاعون إلى الواجهة. في عام 2017، في مدغشقر تحديداً، حصل تفشٍّ محدود للطاعون أصاب 300 شخص. وبحسب دراسة نُشرت في مجلة «ذا لانسيت» الطبية، فإن أقل من 30 شخصاً توفوا في تلك الحادثة. ثم إنه، وبحسب تقرير لـ«بي بي سي»، توفي شخصان في آذار/مارس من العام الماضي، في دولة منغوليا، بالطاعون، بعد أكلهما لحم حيوان المرموط بشكله النيء.
تاريخ «الطاعون الأسود» أشد تأثيراً من فعله الحقيقي على أرض الواقع اليوم، وسلاح المضادات الحيوية بات في جعبة البشر منذ زمن. غير أنه ومنذ ظهور «كورونا» الجديد، وتفشيه ليصبح وباءً عالمياً، ظهر معه خوفٌ بدائي وجمعي لدى البشر، خوفٌ من الفناء أو الاندثار بفعل مرض ما، يمكن لنا أن نستشفّ ذلك من خلال توجس الناس اليوم عند الإعلان عن أي إصابة محدودة بمرض ما في بقعة ما من الكوكب.