لماذا يتبرم بعض الأردنيين من سوء الأوضاع والأحوال؟ الجواب السريع الذي يخطر على البال هو أنهم يتبرمون من سوء أوضاعهم الاقتصادية، ومن وجود الفساد في مفاصل الدولة, وهذا جواب لايحمل كل الحقيقة، فالأصل أننا بلد محدود الموارد وشعب فقير، لذلك لم تكن تستفزنا حقيقة أن نسبة عالية من الأردنيين كانت وجبتهم الرئيسية الخبز والشاي، ومع ذلك كانوا قانعين ولا يخرجون إلى الشوارع محتجين إلا من أجل قضايا أمتهم ، كذلك فإن الدولة الأردنية مثلها مثل سائر دول العالم لم تخلو مفاصلها يوماً من الفساد والفاسدين، فكيف صار الفقر والفساد سبباً لنزول الأردنيين إلى الساحات للاحتجاج عليهما؟
الإجابة على هذا السؤال تقود إلى العديد من الأسباب، أولها أن هناك جهات كثيرة داخلية وخارجية تعمل للتحريض على الدولة الأردنية, وجعل الفقر والفساد محركاً لغضب الأردنيين على دولتهم، تؤججه منشورات على مواقع التواصل، ومقالات وتقارير صحفية تنشر في الخارج، ثم توزع في الداخل، صار من المعلوم أن دولاً بعينها تمول وتقف خلف الكثير منها لتحريك الأحساس بالجوع والفقر عند الأردنيين مثلما تضخم حجم الفساد إعلامياً، لذلك صار الانطباع عن الفساد أكبر من حقيقته ،عزز هذا الانطباع شعور الناس بعدم وجود الجدية الكافية لمحاربة الفساد, كل هذا في سياق استهداف الدولة الأردنية ساعد عليه أنه ظهرت في الأردن خلال السنوات الأخيرة مظاهر بذخ تستفز الأردنيين، وتجعل من فقرهم محركاً لغضبهم، خاصة عندما يقترن الحديث عن مظاهر البذخ بالحديث عن الفساد.
سبب آخر أدى إلى نجاح خطاب التحريض على الدولة، يتمثل بغياب الخطاب المقنع الذي يواجه خطاب الجهات التي تستهدف الأردن عبر تحريض الأردنيين على دولتهم، كرس ذلك الغياب التام لمنظومة الإعلام الرسمي، القادر على تقديم خطاب مقنع للأردنيين، فقد تم تفريغ الإعلام من الكفايات المهنية، وتحويل مراكزه القيادية إلى جوائز ترضيه يهبط عليها بالمظلات أناس يفتقرون إلى أدنى المواصفات القيادية، فمابالك بالقدرة على بناء القناعات وتوجيه الرأي العام، مما مكن الغرف السوداء من التمدد في فضاءات الأردنيين والوصول إلى عقولهم وشحنها بالإشاعات التي تضخم الأخطاء لتأجيج غضب الأردنيين.
كما صار لدينا مسؤولين لا يحسنون مخاطبة الأردنيين، ولا يتقنون لغتهم النفسية، ولا يعرفون طرق الوصول إليهم، فالمغاليق المهمة في ذهنية الأردني ووجدانه لا تفتحها تغريدات "التويتر" ولا بوستات "الفيسبوك" فرغم كل شيوع هذه الأدوات، لكنها تظل بالنسبة للأردنيين عندما تدق ساعة الحقيقة عالم افتراضي، فقد اعتادوا على الحديث المباشر مع رموز دولتهم لذلك فإننا نحتاج إلى من يتحدث للأردنيين مباشرة وبلغتهم، ويقدم لهم الواقع كما هو، عندها ستسقط كل محاولات التحريض وسيتعايش الأردنيين مع فقرهم من جديد، ولن يقبلوا أن تمس رموز دولتهم، فجربوا أن تتحدثوا مع الأردنيين بلغتهم، إذا أردتم إبطال أثر التحريض.