أصعب ما في حياة المجتمعات أن تعيش مع بعضها البعض بأمن وسلام ومحبة، لأنَّ عنصرَ الشر دائماً يسعى لأنْ يفتت الحب والسلام بين الجميع ويوسوس في صدور الناس ويزرع الفرقة الإنقسام. فعدو الخير دائماً لا يُسَّر ولا يُسعد عندما يرى الناس تُحب بعضها بعضاً وحتى أقرب الناس على بعضهم البعض، فكم بالأحرى في المجتمعات المختلفة حيث تتنوع المواهب والقدرات والإنجازات فيسودَ عنصرُ الحسدِ والغيرةِ والسعي لتدمير إنجازات الآخرين التي تعبوا عليها وسهروا من أجلها الليالي الطوال وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيقيها.
والسّر الذي يُمتِّن المجتمعات هو سرُّ التواضع الواحد تجاه الآخر، فمها أنجزَ الإنسان في حياته وحقق من إنجازات يجب أن يكون كل ذلك مدعاة للمزيد من التواضع تجاه الآخرين وليس الاستكبار أو الاستعلاء عليهم. فالإنسان لا يحقق النجاح لوحده بل بمعونة من حوله ومن قدموا له الدعم والإسناد والظروف المناسبة، فساعده كل ذلك ليُخرج الأبداع من أعماقه ويحقق نجاحاً يُعَّدُ نجاحاً للجميع. هذا يقود الإنسان لمزيد من التواضع نحو الآخرين واحترامهم وتقديرهم، وهم بدورهم من سيرفعوه ويمتدحوه ويروا فيه الشخص المقَّدر في نظرهم.
لذلك علينا أن نصحو ونسهر لئلا نجعل الفكر الشيطاني يتغلغل إلى قلوبنا وأن يجد الطريق إلى صدورنا، فنتكّبر ليس فقط على غيرنا بل نتشامخ على الله أيضا، فيصيبنا الغرور والأنانية وحب الذات ونصاب بداء النرجسية. عندها نسقط من عين الله ونسقط أيضاً من عين البشر، ونفقد كل احترام وتقدير.
إن عظمة الإنسان الحقيقية تكمن في سِرَّ التواضع، فالله نفسه يُنزل الأعزاء عن الكراسي ويرفع المتضعين، فلا نجعل الشيطان يغرِّر بنا ويقودنا لأن نضع أنفسنا فوق مستوى البشر وفوق الله. فبقدر تواضعنا ننال نعمةً إلهية أكثر وتقديراً بشريا يفوق الوصف.