تتجدد في هذا اليوم ذكرى حصار مدينة القدس الذي نفذه القائد الأسطوري صلاح الدين الأيوبي في العشرين من أيلول من عام الف ومائة وسبعة وثمانون في حصار إنتهى بفتح القدس والتي دخلها في بداية شهر كانون الأول من نفس العام وقبلها حرر العديد من المدن المجاوره وبها إنتهى حكم الصليبيين لبيت المقدس بعد قرن من الظلم والقهر الذي مارسوه، وحكاية إنتصارات صلاح الدين الخالدة في التاريخ بدأت منذ فتح مصر والقضاء على الدولة الفاطمية وتخليصها من أعوان الصليبيين، وكان له هدف واضح ومحدد منذ البداية وهو تحرير بيت المقدس من الصلبييين وهذا الهدف ما كان ليتحقق لولا تخلصه اولا من العديد من العوائق بداية بالفساد المستشري في حكم الدولة الفاطمية ومن ثم خاض العديد من الحروب توجت بسلسة فتوحات في اليمن وفلسطين ودمشق وحلب والموصل وكانت معركة حطين هي الفيصل في طريقة إلى فتح بيت المقدس.
إمتاز الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي بمحبة وأحترام الشعب له حيث إشتهر بإنصاف المظلومين والفقراء وتحقيق العدالة الإجتماعية وهذا ما وفر له المحبة من جميع الطوائف، ولم يخلوا الأمر من العداوة التي تمثلت في فترة مبكره من خلال الخونة وعملاء الصليبيين أمثال "جوهر" وأتباعه وخاض معهم صلاح الدين حربا أنهت وجودهم ومعهم الفاسدين من ذيول الدولة الفاطمية في أواخرها، وصنع صلاح الدين المجد من خلاله قيادته المباشرة للمعارك ومنها مثلا قيادته للجيش في حربة ضد "أموري" ملك القدس الصليبي الذي جاء لإحتلال مصر فتبعه صلاح الدين حتى العقبة وإنتصر عليه وهو ما زاد نفوذه وتعزيز مكانته الشعبية والعسكرية وكان قريبا من رجاله ولم ينفصل عنهم وكٌتب عنه حمله للحجارة والرمل لإقامة أسوار تحمي بيت المقدس هو وأبناؤه، وقال بحقة المستشرق البريطاني ستانلي لين بول: "لقد أجمع الناس على أن صلاح الدين كان نادر المثال في أخلاقه، فهو – بلا شك – طاهر النفس، شجاع، رقيق الطبع، لين الجانب، رحيم الفؤاد، زاهد في الدنيا، مجاهد، ليس فيه كبر، بل فيه بساطة وورع" وأيضا وصفه تشرشل إنه "من أعظم ملوك الدنيا"، وكتب الكاتب الإنجليزي ريد هجارد القول بأنه "أعظم رجل على وجه الأرض".، وكذلك يسجل له أيضا صناعته العسكرية ومنها السفن العسكرية، وقد كانت تصرفات صلاح الدين لاحقا في بيت المقدس من العفو والتسامح مع أهلها ما جعل المؤرخين المسلمين وغير المسلمين يذكرونه بالكثير من العبارات الخالدة ولم يمس الكنائس بسوء وكذلك سمح لليهود بالعودة للقدس بعد طردهم من الصليبيين سابقا وهذه التصرفات الخالدة كانت عكس ما فعله الصليبيين عندما إحتلوا بيت المقدس عام 1099م وقد وثق العديد من المؤرخين ما قاموا به من قتل كل من ْ يصادفهم من الرجال والنساء والأطفال.
معركة حطين الخالده في التاريخ هي معركة تحرير فلسطين على يد صلاح الدين والتي حدثت قرب قرية حطين بين الناصرة وبحيرة طبريا شمال فلسطين بين جيوش الصليبيين وجيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي في بداية شهر تموز من عام فتح بيت المقدس وإنتصر فيها المسلمون، كانت هي المعركة التي مهدت لاحقا لفتح القدس وتحرير العديد من مدن الساحل الفلسطيني عكا ويافا والرملة وقيسارية وعسقلان والناصرة ودينين وبيسان وبيت لحم والخليل ومن قبلها صيدا وبيروت وطرابلس التي احتلها الصليبيون سابقا، وتوحدت قوات المسلمين من مصر و بلاد الشام وعبر القوات بقيادة صلاح الدين نهر الأردن جنوب طبريا في طريقة لمنطقة طبريا ومن ثم هزيمة الصليبيين في معركة حطين والتي خسر فيها الصليبيين الكثير من الجنود والفرسان ووقع منهم العديد من الأسرى كان منهم ملك بيت المقدس و أرناط (رينالد دوشاتيون) صاحب حصن الكرك و غيره من كبار قادة الصليبيين، وتعامل معهم صلاح الدين بالحسنى وبأخلاق الفرسان ويوثق التاريخ أنه أجلسهم بشكل لائق وقدم لهم الماء بيده وضرب صلاح الدين عنق "أرناط" وحقق نذرا سبق أن نذره حيث قال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا" وفي العام التالي إستسلمت حامية الكرك وقلعتها وبعد ذلك بأقل من عام إستسلمت حامية كراك دي مونريال وبعد سقط حصن بلفور.
ولاشك بأن ما يربط الماضي بالحاضر كثير من الشواهد، فقد تحدثت العديد من الروايات عن الثروة الهائلة التي اكتشفها صلاح الدين في خزائن مصر بعد سقوط حكم الفاطميين حيث كانت مصر أغنى ديار العرب والإسلام ولكن سلاطينها غرقوا في الرخاء والثراء والبذخ وقد كان قصر الخليفة على سبيل المثال يتألف من آلاف الغرف وفيه بوابات من الذهب الخالص وعرش من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة وأعمدة رخامية وأثاث مزخرف من خشب الابنوس مطعّم بالعاج والجواهر النفيسة وهذا الفساد يتكرر الأن في هذا الزمان من بذخ وثراء فاشح في قصور السلاطين بينما ينتشر الفقر والظلم بين عامة الناس وهي ظروف تشابه تلك التي لمع فيها نجم صلاح الدين الأيوبي رحمة الله.