(كان قائداً استثنائياً وأميراً للإنسانية والأخلاق، كرّس حياته لخدمة وطنه وأمته ولم يتوانى في مساعيه الخيّرة عن بذل كلّ جهدٍ لوحدة الصف العربي) بهذه الكلمات اختصر جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين شخصية ودور المغفور له بإذن الله الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة، الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الثلاثاء الماضي، وبرحيله خسرت الأمة أحد أعمدة الحكمة والأتزان فيها، في زمن صار فيه حكمائها فئة نادرة، مما يضاعف خسارتها برحيل الشيخ صباح، بعد حياة حافلة بالعطاء لشعبه وأمته وللإنسانية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية، فلو لم يكن في ميزان حسناتة وأعماله إلا مجلة العربي التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الثقافة والفكر العربيين لكفاه ذلك، فكيف ومجلة العربي نقطة في بحر عطائه لأمته وشعبه والإنسانية،وهو العطاء الذي دفع الأمم المتحدة لتكرس سموه. قائدا للعمل الإنساني، كيف لا و أياديه البيضاء تلمس أثرها الكثير من شعوب الأرض، دون أن تشعر (بمن أو أذى ) ودون أن تخضع لابتزاز أو شروط، فقد اعتادت الكويت بقيادة سموه أن تعطي عطاء غير مشروط بل لذات العطاء وتلك صفة الكبار بإنسانيتهم .
وإذا كانت الكثير من شعوب الأرض ستفتقد الشيخ صباح، فإن الشعب الفلسطيني سيكون أكثر الشعوب إحساساً بثقل هذا الفقد، فقد شكلت الكويت الحاضنة الحنون لقضية فلسطين وشعبها في كل مراحل هذه القضية، ويكفي أن أول خلايا المقاومة الفلسطينية نشأت على أرض الكويت، التي ظلت الداعم الرئيسي سياسيا وماليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكل جهد من أجل فلسطين، وظل الحس العروبي العالي الذي ميز الأمير الراحل هو الذي يحكم مواقف الكويت نحو قضية فلسطين، وظلت الكويت قابضة على جمر الوفاء لفلسطين وأهلها، ولم تهرول مع المهرولين للتخلص من تبعات قضية فلسطين، ولعل هذا الموقف من فلسطين من أهم عوامل تمتين العلاقاتُ الأردنية الكويتية نظرا لتطابق مواقفهما من هذه القضية.
كثيرة هي الصفات التي اجتمعت في سمو الشيخ جابر والتي تجعل من رحيله خسارة مضاعفة للأمة أول ذلك العقلانية البعيدة عن العنتريات التي طبعت أدائه ومن ثم أداء الكويت، وهذه العقلانية هي نتاج الحكمة التي امتاز بها والتي صقلتها وانضجتها تجربة طويلة من العمل في سبيل وطنه وشعبه وأمته والإنسانية التي فقدت أميرا من أمراء العمل الإنساني الذين سيظلون خالدين في وجدانها.