قبيل رحيل الحكومة، توفي أمس الطالب الجامعي أحمد الشخانبة، غفر الله له، بعد صراع مع الحروق التي أتت على أعضائه نتيجة فورة الغضب التي انتابته جراء زحفه المتواصل لمقابلة مسؤولي الجامعة الخاصة التي يدرس فيها علّ أحد يسعفه لتأجيل دفع أقساطه المستحقة لما بعد تقديم الامتحان ولم يفلح،فهل هذه الجريمة الأخلاقية، التي نتحمل إثمها جميعاً..؟!
بالنسبة لنا فهي مثال صارخ على التغول والاستبداد المتوحش للرأسمالية المتجددة بوجوه علمية كان الأصل فيها أن تكون مثالا للإيثار وتوفير بيئة تعليمية تحقق شروط العدالة الاجتماعية وحق الشباب من الجنسين في التعليم، ولكن يأبى المال إلا أن يكون سيداً يقود عبيده الى التسلط وابتلاع حقوق
الناس، وهذا من أخطر المؤشرات المستقبلية لما سيؤول إليه أوضاع السواد الأعظم من أبناء الأردنيين في قراهم ومدنهم الفقيرة، فهناك من الطلبة الذين تخرجوا ولم يتسلموا شهاداتهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم المستحقة.
حادثة الشخانبة كانت ثورة على منهجية «ادفع واقرأ»، مع الاحترام لجامعاتنا ومدارسنا القديمة التي كانت توفر التعليم للجميع بأقل الأثمان، واحترامنا لجامعات العراق وسوريا والكتلة السوفيتية التي خرجت آلاف الطلاب الأردنيين بتكاليف شبه مجانية، وهي ثورة على الظلم الذي بات يتطاول على أبواب العائلات المعدمة ويطارد الآباء قبل الأبناء، وثورة على الطبقية الاجتماعية التي تقاس بميزان «كم تملك لنعرفك».
لو أحصينا عدد الأثرياء بلا تكاليف، أو التجار والمستثمرين الذين هربوا خارج البلاد يحملون ديوناً بالملايين من البنوك وقبلهم آساطين البورصات الوهمية ومثلهم المتنفذون المالكون للشركات التي تخصهم الحكومات بالمشاريع الاسفلتية والبنائية والعقود من الباطن والمتهربين ضريبيا وماليا لوجدنا أرقاماً مفجعة تطاول المليارات عبر السنوات الطويلة، ولم نجد جهة جديرة بالثقة تتصدى لبناء مدرسة أو جامعة واحدة على أساس خيري وبتمويل من داعمين كما يحدث في جامعات عالمية تخصص منح كثيرة للطلبة.
مشكلة التعليم مشكلتنا جميعاً، لم نعد نطيق تحمل أقساط المدارس الخاصة والجامعات الخاصة ويقابلهم مدارس حكومية مكتظة وجامعات رسمية هبطت مؤشرات تقييمها، فيما سوق العمل الرسمي والخاص بات مغلقاً يقابلهم السوق الموازي في الزراعة والمنشآت الأخرى التي امتلأت بالعمالة الآسيوية والوافدة من كل قطر، وبقي أبناؤنا يعدون خطواتهم عبر الطرقات الضائعة، وهذا نتيجة الفشل في خلق استراتيجيات طويلة الأمد لإنعاش الأطراف والقرى والانكباب على فرعيات تبتلع موازنات ضخمة ليس لها أي أثر.
اليوم على كل واحد فينا رئيسا ومرؤسا أن يضع نفسه مكان والد المرحوم أحمد، فهل تقبلون على أنفسكم أن يموت إبن لكم وهو يحارب من أجل تقديم امتحان جامعي، لامقابلة لمنصب وزير، ومن هنا يجب العمل فورا على محاسبة كل من يدفع بأبنائنا للهلاك، تعليماً كان أو بطالة، وبات واجبا تفكيك خلية الجامعات والمدارس الخاصة التي تغالي في رسومها بأكثر من جامعات الغرب التي تخرج منها مسؤولون لم ينفعونا بشيء...