لا يكاد يمرّ شهر أو أكثر على تشكيل أية حكومة إلا وتبدأ تفقد تجانسها وصدقها، لتجد نفسها تعود لترعى حول الحمى القديم وتوشك أن تقع فيه، لتؤشّر على الحالة الصعبة التي وصلنا إليها، ولتوكّد على حالة انعدام ثقة المواطن بالحكومة التي باتت سمة تلازم العلاقة بين الطرفين، فالحكومات المتعاقبة بدت وكأنها عاجزة عن الاستفادة من أخطاء الماضي المتراكمة، أو يعوزها إدراك ما يتوجب عليها فعله كي تحوز بعضا من ثقة المواطن المسلوبة صعبة المنال.
لم يعد المواطن مهتما كثيرا بمن يرحل من الحكومات وبمن هو قادم، فلا فرق بينهم بين عمّار وعميرة، فالكل يراها نسخا تشبه بعضها، وأوجه مختلفة لعملة قديمة تم تداولها كثيرا حتى فقدت أو تراجعت قيمتها، ولا تعدو الحكومات الجديدة من وجهة نظر الكثيرين أكثر من مجرد أرقام تم تخزينها في ذاكرة دولاب الحظ يلفها في كل مرة لاعبا فيغيّر مواقعها، ليتوقف في كل مرة عند أحد الأسماء المحفوظة في ذاكرة الماضي ليصبح معها وزيرا من جديد، لكن الرابح الأكبر من يفوته الحظ في هذه المرة.
الثقة هي أساس القيادة، وهي نتاج لها، والثقة هي أعلى قمة في العلاقة التي تربط الحكومة بالمواطن، وإذا انتاب المواطن شكوكا في أداء الحكومة ودوافعها، فإن كل ما تفعله يصبح ملوثا في نظر المواطن، لذا فالتحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومات القادمة يكمن في قدرتها على إعادة ثقة المواطن بها، وهي من أصعب التحديات في ظل صورة سلبية ارتبطت في أذهان المواطنين عن الحكومات المتعاقبة.
يرى الكثير من المواطنين أن الحكومات المتعاقبة اتخذت من المضلين عضدا، وجاهرت وجادلت بالباطل لتدحض به الحق، وصمّت الآذان عن سماعهم، والانصات إليهم، واتّخذت مشاعر المواطنين وحقوقهم هزوا، حتى طفح كيلهم، ولم يعد لديهم مع الألم أمل في أن يصلح العطّار ما أفسدته سياساتها، وعبثها بمصالح الناس وأقواتهم والتعدي على حقوقهم، ومارست بحقهم دور المطففين، تكيل بمكيالين، تستوفي حقها ولا توفي الناس حقوقهم.
الحوار يبقى هو النص الضعيف، وربما الغائب في مشهد الحكومات الأردنية، فتتعمق الفجوة وتتسع الهوة بين الطرفين، ويرى بعض المسؤولين في آراء الناس ونقدهم وأصواتهم حتى وهم يصرخون طلبا للعدالة يرونها أصواتا نشازا، وتغريدا خارج السرب تفسد عليهم نسقهم السلطوي، وما هم غارقون فيه من لذة ونعيم مقيم.
في ظل الظروف التي يمرّ بها العالم والمنطقة، تلك التي خلطت الأوراق وحيّرت متخذ القرار، ومرشح لها أن تعاند خطط الحكومات القادمة، لا يجب على الحكومات أن تنتظر ثقة مجلس النواب، فهو أمرّ وأصعب حالا منها، فشعبيته مفقودة، ونواياه معقودة، فالثقة الحقيقية التي يجب أن تبحث عنها وتخطط لها وتأخذها على محمل من الجد في هذه المرحلة المفصلية هي ثقة الناس والشارع والرأي العام، فليس بوسع مجلس النواب أن يحميها إذا الشعب يوما أراد الحياة.