ربما أكثر أوقاتنا التي نقضيها اليوم تكون في متابعة الأخبار المحلية والعالمية، وما أقل تلك الأخبار التي تحمل لنا بشائر الفرح والسلام والمسّرة، بخلاف تلك الأخبار المروّعة التي تقضُّ مضاجعنا وتزرع فينا الخوف على ما هو آت.
ومن تلك الأخبار ما يتعلق بوحشية الإنسان في ارتكاب أبشع الجرائم وأفظعها والتي لا يقدر أن يتصورها عقل بشري. فالآدميةُ قد انتزعت من قلوب كثيرين ممن هم بشر وتحولت قلوبهم إلى قلوب وحشية متعطشة للدماء والثأثر والإنتقام، وافتعال كل ما لا يمت بصلةٍ إلى المجتمع الإنساني والتصرّف الإنساني. ولا يعتقد علماء النفس أنَّ الفقرَ هو سببٌ أساسيٌ لذلك بل ربما أحد أسباب، والقضية تتلخص في انحرف فكري سلوكي إنساني خارج معايير الإنسانية التي تخص عالما البشري، ومثل هذا الإنحراف يقودُ لإرتكاب الفظائع التي لا يتصورها العقل البشري السّوي، والخروج عن الآدمية التي خلقنا الله عليها.
وآخرها تلك الجريمة المروعة في مدينة الزرقاء والتي كان نتيجتها بتر يدي الطفل صالح ابن الستة عشر ربيعاً وفقئ إحدى عينيه بمفك مما أثار استهجان واستنكار كلّ المجتمعي الأردني وعلى رأسهم جلالة الملك وجلالة الملكة المعظمين. وها هي المطالبات الفيسبوكية تتعالى بإنزال أشد أنواع العقوبات على المجرمين وعدم التساهل في مثل هذه القضايا، فالقانون يجب أن يأخذ مجراه بدون أي تدخل من أحد، ولربما هذه الجريمة المروّعة تشكل إختباراً حقيقياً لسيادة القانون وتنفيذه.
واليوم أصحبنا متعطشين ونحتاج أنْ نسمعَ أخباراً بخلاف هذه الأخبار المقززة والمرعبة والمفزعة، فحياتُنا لم تُخلق لمثل هذه الأعمال ولمثل هذا الإنحراف الفكري والأخلاقي الذي يَهبط بالإنسانية إلى ما دون الآدمية. فعالمنا يحتاج أنْ يسمعَ أخباراً تخصُّ بناءَ السلام بكافة أشكاله وما ينتج عنه من استقرار ونمو اقتصادي وأمن مجتمعي. كذلك يحتاج أن يسمع عن كل ما هو يفرِّح القلب ويطمئنه. أيضاً يحتاج أن يسمع عن أعمال البِّر والحقَّ التي تخفِّف من آلام البشرية وتتضامن معها وتساعِدها للتغلُّبِ على مشاكلها وتحدياتها. هذه الأمور الثلاثة: البر والسلام والفرح هي من حاجيات عالمنا الأساسية التي نطرب لسماعها وهي من متطلبات ملكوت الله على الأرض التي يدعونا الله إليها، لأنها تفرِّحُ قلبه تعالى وتُقابَل بالقبول والإستحسان من بني البشر.
"لنعكف إذاً على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض"، لا لبتر أيادي بعضنا البعض وفقأ العيون. إنَّ الحياة لا تكتمل إلا بأيادٍ تعمل وتزرع، وعيونٍ ترى حقيقة الأشياء وقلوبٍ تحب بصفاء، فبغير هذه الأمور الثلاثة علينا أن نعيد النظر بمفهوم مجتمعاتنا البشرية.