نيروز الإخبارية : بقلم العميد المتقاعد الدكتور المهندس/ حاكم الفلاحات
الرقابة الذاتية
هو مفهوم إبداعي ويعني الإحساس العالي بالمسؤولية من النفس البشرية بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى رقابة الآخرين، وهي الوسيلة الفاعلة من الوسائل العديدة الغير محكومة بتشريع للسيطرة على النفس وتحقيق الضبط الذاتي بعدم الانجراف في حصد المكاسب المادية والسياسية والاجتماعية الدنيوية بأي ثمن كان، كما أن الرقابة الذاتية تعد ذات أهمية بالغة بسبب فاعليتها نحو تصويب التصرفات اللامشروعة وغير الملائمة دون تدخل جهة خارجية أو الإدارة نفسها، فالمهم في عملية الضبط الذاتي هو تحقيق مكاسب الذات المعنوية والروحية لتقويم النفس وتصحيح أخطائها وهفواتها، فالقانون الوضعي الذي يعاقب على التجاوزات لا يتمكّن وحده من بناء مجتمع متوازن قائم على المساواة وتكافؤ الفرص وغيرها من المقوّمات التي تصبّ في خلق مجتمع منتج و قادر على ضبط نفسه و تعديل أخطاءه، بل ينبغي أن يكون هناك دور أساسي لتقويم الذات عبر تنمية النزعة الداخلية الفاضلة لدى الإنسان بحيث يشعر أنه يؤدي العمل المؤتمن عليه بكل أمانه وحرفية ومسؤولية.
وتأتي أهمية الرقابة الذاتية في أنها من أهم عوامل النجاح في العمل؛ لأنها تغني عن كثير من النظم الرقابية والتوجيهات والتدقيق والمحاسبة وغيرها ، فالمراقب لنفسه صاحب إرادة قوية تساعده على فعل الخير وتحثه عليه، وهو شخص يغلب عقله على هواه، ويمتنع عن المخالفة من تلقاء نفسه، لذلك فإن البحث عن التميز والإبداع في أي مشروع اقتصادي أو غيره، وهو هدف متاح لكل الناس يجب أن يأتي من الفضيلة الداخلية بحيث تكون معياراً أساسياً لتحقيق ذلك، حيث يمكن للإنسان أن يحقّق جميع أهدافه الموضوعية لكن ينبغي أن يلتزم الإنسان بانتهاج الوسائل المشروعة لدرجة تتساوى فيها عنده قيمة الأهداف بمقدار ما يحصل عليه في المقابل، بمعنى أن إيمانه يقوده إلى الواقعية ولا تؤثّر عليه قيمة المردود الحاصل عليه مهما كبر أو قلّ، ويمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الحالة من الثبات بتهذيب النفس وتطويعها والسيطرة على نوازعها وميولها المتعددة والموزعة بين الرذيلة والفضيلة، وهنا يأتي دور الرقابة الذاتية لتهذيب النفس البشرية بإنشاء ميثاق للأخلاق والتي تدعو له كافة الكتب السماوية.
إن أهم الوسائل التي تهدف إلى تمكين الرقابة الذاتية هو أن يستشعر الفرد الرقابة الإلهية من الله تعالى خشية من الحرام والشعور بالمسؤولية لأداء الوظيفة، لتتعب لاسعاد من حولك والاهتمام بالمصلحة العامة بالإضافة إلى حب نفع الآخرين والاهتمام بهم كي يشعرهم بالأمان .
نحن في بلدنا ومجتمعنا الأردني أحوج ما نكون لزيادة دور الرقابة الذاتية النابعة من قيم الفرد ومدى إحساسه بالانتماء وارتباط المصالح الشخصية مع المصالح العامة.