بعض الذين يتصدرون المشهد العام في بلدنا، وبعض الذين تقدمهم وسائل الإعلام على أنهم محلليين سياسيين، رغم أن معظم ما يقولونه لا يمت إلى التحليل بشيء،لأنه إعادة إنتاج لمقولات وصرف جمل المديح أو الانتقاد حسب المطلوب، وهذه قضية تعود لهم ولمن يستضيفهم، ولكن الذي لا نقبله منهم ولا من غيرهم هو الجهل بالأردن وبتاريخه،وهو الجهل الذي يدفع هؤلاء للزعم بأن الأردن يشهد تحولاً يتمثل باستلام الشباب للمواقع القيادية، مما يؤكد جهلهم بأهم سمات الدولة الأردنية المعاصرة منذ تأسيسها، وهي أن الشباب هم الذين قادوا هذه الدولة وبنوها، وأول ذلك أن الملوك الهاشميين كانوا جميعاً عندما استلموا دفة القيادة في سن الشباب وكان من الطبيعي أن يهتموا بشباب الوطن، ويستفيدوا من قدراتهم، لذلك نجد أن هزاع المجالي كان عند استشهاده رئيساً للوزراء في سن الواحد والأربعين عاماً، بعدما ارتقى سلم الوظيفة من أدنى درجاته، مساحاً في دائرة الأراضي وكاتباً في المحكمة، حتى وصل إلى موقع رئاسة التشريفات الملكية ورئاسة بلدية عمان، كما صار وزيراً للداخلية، كل ذلك وهو في شرخ الشباب.
أما وصفي التل فقد استشهد قبل أن يكمل عامه الثاني والخمسين، بعد أن كان قد ترأس الحكومة ثلاث مرات، وقبلها ارتقى سلم الوظيفة من أدنى درجاته، أما الشريف عبد الحميد شرف فقد قضى هو الآخر رئيساً للوزراء وهو في سن الواحد والأربعين، بعد أن كان رئيساً للديوان الملكي ومندوباً دائماً للأردن في الأمم المتحدة وقبل ذلك وزيراً ومديراً عاماً بعد أن عمل موظفاً في وزارة الخارجية, مثلما تولى حابس المجالي قيادة الجيش وهو في سن الرابعة والثلاثين بينما تولاها زيد بن شاكر وهو في الثانية والثلاثين من عمره.
ما ينطبق على هؤلاء من حيث صغر السن عندما تولوا المسؤولية العامة، ينطبق أيضاً على زيد الرفاعي ومضر بدران وطاهر المصري وسمير الرفاعي ورجائي المعشر أطال الله أعمارهم، وكلهم شواهد تدل على أن تولي الشباب للمسؤولية في الأردن ليس أمراً مستجداً، لكنه ثابت من ثوابت الدولة لا ينكره إلا جاهل, آخذين بعين الأعتبار أن العمر لم يكن معيار الأختيار لمن يشغل المواقع المتقدمة, فقد كانت الكفاية هي المعيار, لذلك شهدت مؤسسات الدولة الأردنية تزاوج الخبرات وتبادلها بين الأجيال.
المستجد في هذه القضية أن ماكان يقدم شباب الأردن للمواقع القيادية في الدولة هو تجربتهم في الحياة العامة، فجلهم كانوا أصحاب تجربة ثرية في الحياة العامة ، وجلهم أنضجتهم التجربة العملية، بالإضافة إلى مستوياتهم العملية وكفايتهم المهنية، فصاروا خيار الضرورة والحاجة، ولم يكونوا خيار التجميل والاستجابة للمتطلبات الدولية، لذلك ملؤوا مواقعهم بكفاءة واقتدار، بخلاف من تصنعهم الشلة والمصلحة الذاتية.
ظل أن نقول أن شباب هذه الأيام في المسؤولية، هم كهولاً قياساً إلى الشباب الذين تحملوا المسؤولية أيام زمان فاقرؤوا تاريخ الأردن جيداً.