تغلق الأعوام عادة بالعديد من قرارات التسويات وتصفيات الحسابات ومنها الإحالات إلى التقاعد أو الإقالات التطوعية والتعسفية وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عامًا على قرار إحالتي إلى التقاعد كان قد دُبّر بليل، ونحن في ريعان شباب العمر والعطاء وما زلت اسمع وأشهد وأشاهد وأعاين ممن حولي حالات عديدة ممن نذروا أنفسهم لخدمة الوطن والأمة يتظلّمون ويتألمون جرّاء ظلم تهميشهم وإقصائهم وحرمانهم من أن يتمتعوا من النيل بطموحاتهم وآمالهم وتحقيق ذاتهم في خدمة وطنهم وأمتهم وبما كفل لهم قداسة دستورهم الذي عجز وقُهر أمام الأنانية وحب الذات والكذب وخيانة حب الأوطان والإخلاص لها بالدماء فداءً وبالسواعد بناءً وبالضمائر ولاءً فالقوانين حاضره غائبة مغيبة يشوبها تارةً العوَر وتارةً العجز وتارةً أخرى القصور والتخلف عن الركب والحضارة والإنسانية والضمائر باتت من أعوان وأذناب الشيطان تتفوق عليه وسوسةً وخبثاً ومكراً، والإصلاح بات منهزماً من شرٍ عدواً الفساد، والصدق بات مقهوراً أمام فنون الكذب والتدليس والنفاق الذي لا يرجى بَرءه وصار شعار الواسطة والمحسوبية والعنصرية الوظيفية تتصدر الموقف وترتقي أعلى سلم مقاييس ومعايير الأداء الاحترافي والتقييمي المخلص الصادق، وجوائز الدولة التقديرية الكفاءة والإخلاص والنزاهة والصدق الوظيفي وُسِّدَت لغير أهلها افتراءً وتدليساً وانحرافاً وما زلنا نبحث في رؤى الضياع عن منظومات ومعايير التقييم الوظيفي الأخلاقي النزيه والكفايات القيادية الإدارية القياسية العادلة، والإحلال الوظيفي المخطط الكفؤ، كمن يبحث عن إبرة في كومة قشّ أو كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ظمآن لا يقدر عليه وما هو ببالغه ليطفىء نار ظمأَه.
فطالما عقولنا وقلوبنا ما زالت تحط في سبات عظيم في كهف ظليم في وادِ سحيق ،فلن تقوم لنا قائمة ولن ننهض من عفن ظلمنا لأنفسنا ولبني جلدتنا، فمتى تصحو ضمائرنا حينما يرضخ أولي الأمر مديراً لهواه أو هوى ظالم على شاكلته يوجهه عن بُعد"بريموت الألو" لإقالة فلان أو ترقية علّان أو نقل بهلوان دون وجه حق فالوطن لا يضيق به ولا بأمثاله.. الوطن حِكراً للجميع،وحاضنة للجميع،وهو الأم الرؤوف الرحيم بالجميع ؟! ..
أقول لك يا من ظلمت وتبجحت بظلم من وُلّيت أمانة أمرهِ ونهيه وشأنهِ لو كان الظلم رجلاً لسحقك تعذيبًا وتأنيباً وقتلاً وتدميراً، حينها قد تصحو من غفلة ضميرك الذي لوثه عفن الأنا جهل الأنانية، وإرادتك باتت مسلوبة أصابها الوهن والزلل ، وتذكر أنه مثل ما تدين تدان والدنيا دوّارة يوم لك ويوم عليك، فاستعد لما سيُصبّ عليك من عذاب وغدر وألم وحرمان طعم السعادة وكلاليب الآخرة بالانتظار فحسبك أن تصحو وتكفر عن أخطائك وخطاياك وترد الظلم والمظالم عن أهلها ولأهلها قبل فوات الأوان، فباب التوبة ما زال مفتوحاً لتنجو ما تغرغر عندك الحلقوم في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.