أعظم شيء في الوجود أن يعيش الإنسان ليس فقط لنفسه بل لأجل الآخرين ولأجل راحتهم وسعادتهم وتطوُّرِهم وتقدُّهِم في الحياة "رب سنبلة تموت تملئ الوادي سنابل"، وكما قال السيد المسيح" وإن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير"، وما أكثر أمثال هؤلاء الذي يقدمون حياتهم على مذبح الإنسانية من أجل إعلاء شأن وكرامة الإنسان وقيمته كما كرَّمه الله عندما خلقه على صورته ومثاله وسلطته على خليقته ليرعاها ويسوسها بالبر والعدل، ويحارب كل أشكال الظلم والعبودية والاستعباد، تماما كما بقول عمر بن الخطاب " متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرار".
لو أمعنا النظر عبر تاريخ البشرية وحتى عصرنا الحاضر فهناك من نذروا أنفسهم لخدمة الإنسانية جمعاء، وليس لمجرد خدمة طائفة معينة أو جهة معينة أو مجموعة معينة بل خدمتهم اتسعت دائرتها لتطال المختلفين حتى بالعرق والدين والجنس واللون، محققين بذلك قناعاتهم وإيمانهم بقدسية الإنسانية وقدسية حياة الإنسان الذي هو أسمى المخلوقات المنظورة الذي افتقده الله بأن أنزله قليلا عن الملائكة وبمجد وبهاء كلله ( مز.8).
هذا المفهوم هو في صلب الأديان السماوية، ولكن المشكلة تكمن في رؤيته بعين الإيمان التي ترى في الخلق وحدة واحدة وفي الخالق رب واحد وأب ومحب للجميع " فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون".
والسؤال، كيف نرى أنفسنا اليوم، أبناء إنسانية جامعة أم شعوباً متناحرة متقاتلة متخاصمة تفتت قلب الإنسانية النابض بالحياة والحب والجمال والكرامة؟ ربما علينا أن نعيد النظر في دعوة الله لنا لنقدم حياتنا أسيرة في خدمة الإنسانية ولأجلها، ففي ذلك فقط نفرح قلب الله ونقدر أن نلاقي وجهه الكريم.