يعود رئيس مجلس نواب المحامي عبد المنعم العودات، إلى المربع الأول الذي يعتقد أنه قفز بواسطته إلى موقعه وهو يعلن تدشين اجتماعات قريباً للبحث في وضع «مسودة مدونة سلوك تضبط العمل البرلماني».
تلك عودة سياسية وتشريعية، تكمن قوتها في أنها هذه المرة على رافعة ضوء أخضر ملكي مرجعي، فقد صدر توجيه بالخصوص على أمل أن ينظم نواب الأمة الأفراد سلوكهم في إطار الانضباط التشريعي والرقابي على هامش اللقاء الأخير للملك عبد الله الثاني بأعضاء المكتبين الدائمين لمجلسي الأعيان والنواب. طبعاً، في مسألة السلوك «لا تعاني الدولة ولا الجمهور مع أعضاء مجلس الأعيان». وليس سراً أن المعاناة في الماضي كان لها علاقة بممارسات النواب التي تتحفظ عليها الدولة والمؤسسة، وتنتهي بتشكيل عبء عليهما على الأقل في عهد مجلس النواب الأسبق الراحل.
وهنا يعتقد بأن المطلوب مرجعياً تفكيك بعض الأنماط السلوكية والممارسات السلبية التي كانت تحصل في الماضي. لذلك يسارع العودات لاختطاف التوجيه بديناميكية ووضع برنامج حوارات داخلية سريع وفعال تحت عنوان وضع وثيقة خاصة بالنواب باسم مدونة السلوك، ومباشرة بعدما نوقشت في الملامح العامة بالقصر الملكي. ويعني ذلك سياسياً وبيروقراطياً مسألتين.
بعد استثمار «الحصانة» وانحراف استجوابات والأسلحة وتشكيل «مراكز قوى»
الأولى أن جميع أوساط القرار متفقة إلى حد معقول على أن سلوك النواب تحديداً يحتاج إلى مدونة أصلاً. والمسألة الثانية تتمثل في التأشير على أن ممارسات نيابية «فردية» كانت تحصل في الماضي لا أحد يريدها اليوم في العمق، لأنها قد تكون على نحو أو آخر سبباً في تقصير عمر البرلمان إذا ما تواصلت، فيما هناك لجنة معنية بسلوك النواب تحت القبة تراقب منظومة أخلاقيات التصرف وترتبط بالنظام الداخلي. ويعني اهتمام العودات الآن أيضاً أن لجنة السلوك قد لا تعود كافية، والمطلوب مأسسة العمل أكثر، وهو ما تحدث عنه العودات قبل انتخابه رئيساً لمجلس النواب، باعتباره أولوية ضرورية جداً، مع » مبلغاً ضمنياً ومجدداً الإبلاغ بأن سلوك النائب الفرد بعد الآن يؤثر في مجمل المشهد الوطني والمؤسساتي ولا يتعلق بشخصه فقط.
العودات يعتقد مبكراً بأن الشكوى المرجعية بمثابة توجيه، وبأن الملاحظات، سواء أكانت من الدولة أو من المواطنين على سلوك الفرد النائب وكيفية تصرفه، ليست مسألة ترفيه الآن؛ فتمكين مجلس النواب من دوره الوطني والدستوري والحفاظ على هيبته متطلبان إجباريان والأولوية ستكون هنا.
استناداً إلى هذا المنطق، يمكن لمدونة السلوك الجديدة قيد الطهي والإعداد أن تشكل إضافة نوعية مختلفة في تقييم أداء النواب تحظى اليوم بالغطاء الملكي، ما يبرر إسراع العودات وزملائه في المكتب الدائم لإجراء مشاورات تحت عنوان الاستجابة للتوجيه الملكي.
طبعاً، لن تحدد بعد ترسيمات منظومة الأخلاقيات في العمل البرلماني التي سترسمها مدونة السلوك المثيرة الجديدة، والتي سيكون نواب الأمة هم من ينتجونها أصلاً، بمعنى أنها لن تفرض عليهم من الأعلى. في المقابل، لا يمكن معرفة المزاج العام في البرلمان الحالي على الأقل تجاه القيود التي يمكن أن تفرضها مدونة سلوك جديدة. لكن ليس سراً أن في الذهن الجمعي هنا ممارسات ومفاصل محددة قد يكون من بينها الاستثمار في وظيفة النائب خارج شرعية القانون والتركيز على براءة الذمم ومنع المشاركة في العطاءات أو الشركات خلال مرحلة الحصانة.
وقد يكون من بينها أيضاً تنظيم علاقات الحوار بين النواب تحت القبة وكيفية الاشتباك مع الوزراء، حيث مشاهد مؤلمة هنا من بينها إطلاق رصاص تحت القبة من سلاح رشاش وظهور مسدسات، ومن بينها محاولات ضرب نواب لآخرين واستخدام ألفاظ غير لائقة والضغط على بعض المسؤولين والوزراء دون إسناد دستوري.
تلك كانت مشاهد يعرفها الجميع. ووظيفة مدونة السلوك الجديدة ضمان عدم تكرارها. لكن يعتقد بالتوازي، بأن من بين المطلوب بين الأسطر قد يكون منع تشكل مراكز قوى نافذة لشخصية برلمانية أو لعدة شخصيات استناداً إلى مبدأ الولاية ولأغراض شخصية، والحيلولة دون تكرار تجارب سابقة في إطار لعبة النفوذ والقوة، الأمر الذي لا يتم عملياً التحدث فيه علناً على الأقل.
وإلى أن تنضج مدونة السلوك الجديدة وتعرف اتجاهاتها، ستبقى المسألة منوطة ببعض الاجتهادات والازدحامات، حيث على المحك هنا امتيازات افتراضية شخصية واجتماعية بالجملة كانت سبباً طوال الوقت أثناء ممارسات الماضي في إغراء الأشخاص بالانضمام إلى لعبة تشريع ورقابة والبرلمان لأسباب ليست وطنية بالكامل ولا سياسية ولا حتى تهدف إلى خدمة المجتمع والإصلاح. وعليه، يمكن القول بأن الغطاء الملكي للخطوة التي بادر العودات بتفعيلها بسرعة، هي محطة مهمة وأساسية قد تثير الجدل، لكنها قد تبدل بعض المعطيات