أسست فكرة أن الإصلاح السياسي هو الحل من خلال مقولة تراثية منسوبة إلى الرسول الكريم تقول ( كما تكونوا يولى عليكم ) حيث تلقي تلك المقولة اللوم على المجتمع لأن السلطة ناتج من نتاجاته وعلى الرغم من أن هذه المقولة فيها شيء من الجبرية وهي من إنتاج السلطة المستبدة تاريخيًا لتسوغ فسادها واستبدادها ومن ثم يستكين المجتمع كمونيًا فلا يفكر بالتغيير والإصلاح منتظرًا مصلحًا سياسيًا ليجري هذا التغيير
واليوم هناك فرق واسع من المجتمع ونخبته يرون أن الإصلاح يبدأ من هذه الزاوية فعندما يبدأ من الأعلى يحقق التغيير بصورة أسرع ويحرق مراحل كثيرة على حد زعمهم وهذا المفهوم للإصلاح فشل كما تؤكد الشواهد التاريخية القريبة حيث عملت جل الثورات العربية المعاصرة من خلال هذا الخيار وفشلت حينما اعتمدت في ثوريتها على الإكراه وسيلة للتغيير ونصبت نفسها وصية على المجتمع وهي الراشدة التي توجهه وهذا النوع من الإصلاح الإكراهي لن ينتج تغييرا إيجابيا إنما سيولد طبقات اجتماعية مختلفة من المنافقين والمداهنين كونهم يخافون معارضة قرارات السلطة العليا حتى الربيع العربي فشل لكونه لم يسبق بإرهاصات ثقافية تخلق بيئة حاضنة للتغيير وتعمل على تمهيد الطريق للإصلاح السياسي ولم تشفع إرهاصات حركة (كفاية) في مصر ولا (لجان إحياء المجتمع المدني) و(ربيع دمشق) في سورية لكونهم تجارب غير مكتملة أجهضت سلطويا في وقت باكر حتى لا تنتج ولادة إصلاحية على أسس صحيحة فتعثرت ثورتا مصر وسورية وخطفتا وفشلتا بشكل محزن جدا
وعلى الرغم من أن الثورات العربية لم تقم لأسباب دينية إنما لأسباب إصلاحية ورموزها من أبناء المجتمع وكانت ترى التدين السائد حالة رجعية أعادت التحالف التاريخي ذاته بين السلطة السياسية والدينية لأنها اكتشفت أنها غير قادرة على تحقيق الإصلاح، فعادت القهقرى لتتحالف مع الطبقة الدينية لتستمد مشروعيتها منها وليقينها أنها كانت وثوبا على السلطة وغير قادرة على إبداع إصلاح حقيقي فأعادت إنتاج الاستبداد بثوب جديد له بعض القبول الشعبي
اما الإصلاح الثقافي يحمله على كاهلهم مثقفون عضويون ينطلقون في رؤيتهم للتغير الثقافي من حاجات المجتمع ومطالبه ويعملون على زرع أفكار التغيير في المجتمع بدءا من قاعدة معتمدين على الطبقة الوسطى التي تعد محرك أي عملية تغيير، فتجدر التغيير في العقول بوصفه ثقافة لكي تنتج سلوكا يحمل مشروع التغيير والتنمية فالنهضة فتتغلغل أفكار التغيير في مسامات المجتمع كله لتؤسس ثقافة تنتج سلوكا همه التغيير وعندما تكتمل حلقاته سينتج لا محالة إصلاحا سياسيا لكن في الحديث عن الإصلاح الثقافي غالبا ما يذهب المثقفون العرب إلى قضية الإصلاح الديني بافتراض أن ثقافتنا المجتمعية في العموم ذات جذر ديني فجعلوه الخطوة الأولى في الإصلاح من هنا كانت دعوات التنوير والإصلاح الديني الأساس الذي يعتمد عليه في قضية الإصلاح الثقافي لذلك عد مفكرون كثر أن أي إصلاح سياسي أو ثقافي وحتى اقتصادي لا يسبق بإصلاح ديني، يعد نوعا من أنواع العبث المحكوم عليه بالفشل ولكن الإصلاح الديني يعني إصلاح الإنسان أما الإصلاح السياسي فيعني إصلاح الأوضاع فلا جدوى من إصلاح الأوضاع من دون أن ينصلح الإنسان فإذا كنا ننادي بالديمقراطية من دون أن يكون هناك أشخاص أمناء يحترمون الديمقراطية فإن هؤلاء سيعملون علي إهانة الديمقراطية علي مذبح الفساد