بقلم الدكتور محمد سلمان المعايعة/أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية.
نال حقل الإرهاب والتطرف كثير من الدراسات والأبحاث الأمنية والاجتماعية التي تُطالعنا من فتره لأخرى في تفسيراتها لظاهرة التطرف والممارسات الإرهابية المتعلقة بها، مما دفع الكثير من الباحثين والأكاديمين إلى محاولات تعريفه وتفسيره وفهم أسبابه ووضع نظريات لتفسيره، وتطوره وأنواعه والتدبير التي إتخذت لمعالجته من خلال وسائل الإعلام المختلفة.. إن الحديث عن الإرهاب يقتضي بالضرورة الحديث عن الأعلام ووسائله الإعلامية، حيث ظهرت تأثيراته الإعلامية والسياسية والثقافية والتربوية الواسعة النطاق لدرجة أطلق البعض عليه اسم عصر الإعلام لما دعا إليه في محاربة التطرف والإرهاب والعنف وتوعية المجتمعات من أضراره ومخاطره، ليس لأن الإعلام ظاهرة جديدة في تاريخ البشرية بل لأن وسائله الحديثة قد بلغت غايات بعيدة في عمق الأثر وقوة التوجيه وشدة الخطورة التي أدت إلى تغييرات جوهرية في دور الإعلام وجعلت منه محورا أساسيا في منظومة المجتمع في التصدي للإرهاب والتطرف والانحرافات السلوكية الشاذه عن قيم الإنسانية ، فهذه المفردات الإرهابية تختلف عن بعضها البعض في التعريف إلا أنها تؤدي إلى نفس النتيجة والضرر في المجتمع وأصبحت ظواهر التطرُّف والإرهاب والعنف وباء منتشراً بين أوساط اجتماعية عديدة ومنها الأكثر خطوره إستهدافها لفئة الشباب والمراهقين، فالتطرف يعني المغالاة والإفراط والعصبية وهي عكس الوسطية والاعتدال في جميع نواحي التفكير اتجاه المعتقدات والأفكار وعلى هذا الأساس فان التطرف هو مجموعة من المعتقدات والأفكار التي تجاوزت المتفق عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً داخل الدول، كما أن مفهوم التطرف يُطلق على الإيديولوجيات السياسية والاقتصادية وحتى الدينية والتي تتبنى أفكاراً شاذة وخارجة عن التفكير السوي المعتدل الذي يمارسه المجتمع حيث إن الإرهاب الفكري يسلب حق الآخرين في التعبير عن أريهيم ، ويحجر على العقول والحريات بحجة الخلاف في الثقافة أو المذاهب أو العقيدة أو الرأي ومن هُنا تنشأ ظاهرة الإرهاب لأن التطرف هو مقدمة حتمية له . فالتطرف دائما في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب الذي هو سلوك ناتج عن فكر متطرف وانحراف في السلوك البشري . كما إن هدف الإرهاب هو الحط من مكانة القوة والأرادة الحاكمة، وكذلك الحط من مكانة القوة الحكومية وإعطاء البرهان الثابت على إمكانية النضال ضد السلطة ثم إثارة الروح الثورية في الشعب وتقوية إيمانه بانتصار القضايا التي يتبناها..
كما أن التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبر جريمة بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف حركتة من الناحيه القانونية يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار أن القانون لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي وإجرامه هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه ، ونتيجة لتزايد مخاطر هذه الظواهر على الأفراد والمجتمعات، فقد ظهر تياران يتجاذبان ظواهر التطرف والإرهاب والعنف في التفسير والتأويل والشرح ، فهناك تيار سلبي له دور فاعل في صناعة التطرف والإرهاب وتأجيجه وتغذيته ورسم مساره، في توظيفه في صناعة الكراهية وممارسة العنف والاضطراب عندما يكون وسيلة لنشر فكرة الإرهاب وترويجه ، وهناك تيار آخر إيجابي يدعو إلى مواجهة التطرف والإرهاب والدعوة لمحاربته بالفكر واليقظة والحركة، فالإعلام يكون إيجابيا إذا تم توظيفه في صناعة الأمن والسلام والاستقرار فإنه سلاح لمواجهة الإرهاب ، وذلك لأن الإعلام وسيلة لتكوين الرأي العام واتجاهاته نحو حادثة معينة ويؤثر بطريقة غير مباشرة على نجاح إو فشل سياسات وإستراتيجيات الحكومة في أية دولة من الدول لمواجهة الإرهاب، فوسائل الإعلام لها دور فاعل في تشكيل سياق الإصلاح السياسي في المجتمعات المختلفة حيث تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير إذ تم توجيه لمواجهة الإرهاب والتطرف والعنف وبيان مخاطرهم وأضرارهم على الإنسانية. وكلاً منهما التيار الإيجابي والسلبي يتناولهُ حسب إيديولوجياته ومذاهبه الفكرية، ومن منبره الثقافي ودوافعه ومصالحه وأهدافه ودرجة نفوذ محركهم في الساحة الدولية والإقليمية.
ونحن في هذه الدراسة سنلقي الضوء على دور الإعلام في مواجهة التطرف والإرهاب والعنف من المنطلق الإيجابي.
فقد إكتضت الأدبيات والنظريات المختلفة لتفسير ظاهرة التطرف الفكري والعنف، وكذلك ما تناوله الباحثين والمثقفين بالبشرح والتفسير والتحليل لبعض الزوايا الغامضة لهذه الظواهر، فالارهاب هو أحد ظواهر الاضطرابات السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية في العصر الحديث ، فهو يعد بلاء العصر والتحدي الذي يواجه العالم ، ويعتبر من المشكلات المستعصيه وله آثار سلبية تفوق آثار الحروب على المجتمعات والتأثير على كيان الدول وعلى السياسة والاقتصاد ، فالارهاب يستهدف التاريخ والحضارة والتراث الإنساني في الدول والمجتمعات...
يمثل الإرهاب تهديدا عالميا، لا تتمتع دولة أو مجتمع أوعرق أو دين أو حتى طائفة من حصانة تحميها من شرره المتطاير هنا وهناك. فطبيعته الفكرية الخطرة تسمح له أن يتطاير ويتأثر به إن توافرت له الظروف والبيئة المحيطة التي تجعله نهبا للتضليل ومن ثم التحول الفكري وأن يصير تابعا له، على اعتبار أن الإرهاب سببه الأساسى هو الفكر المتطرف الذى يعتنقه البعض عن طريق الفكر الخاطئ، كما أن التطرف الفكري هو إرهاب يستهدف محو الفكر القائم، وغرس فكر جديد، واخماد الأصوات المعتدلة، وخلق حالة من الرعب والفزع وفرض حدود لا ينبغي تجاوزها ونمط معين من الثقافة في عقول الشباب، وكذلك فأن العنف يتسم باللاعقلانية وينقصه الحكمة والرؤية، والتحكم الذاتي، فالعنف موجود نتيجة التمييز والإقصاء والمحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية وسيادة القانون على الجميع..
فالإرهاب ظاهرة خطيرة في حياة المجتمعات الإنسانية وهو أسلوب وضيع للوصول إلى أهداف معينة و ليس له هوية ولا ينتمي إلى بلد وليست له عقيدة، ولا يوجد لديه أهداف ثابتة ولا قواعد متّفق عليها، كما لا ضوابط قانونية ولا أحكامًا، بل هناك سمات متشابهة إذ انه يوجد عندما توجد أسبابه ومبرراته ودواعيه في كل زمان ومكان. وهو مشكله عالمية لا يمكن حلها وطنيا وإقليمياً وعالمياً..مما يتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف ومحاربتهم في منابعهم الفكرية والأيديولوجية والتربوية وأدوات تحريكهم ، وكذلك مجابهة التعصب ووليده التطرّف وابنهما العنف والإرهاب، فلن تتحقّق التنمية المنشودة دون سلام وأمن ، فهو الوعاء الحامل لها.. فالإرهاب نقيض الطمأنينة والسلام والباطل في نكران الحق واستلابه وممارسة العدوان باسم مقاومة الإرهاب
لذلك يجب أن نقر ونعترف بأن التطرف والإرهاب لا يعرف الجغرافيا ولا التاريخ، إنه مرض عابر للقارات وللأزمنة أيضاً، فالتطرف مرض استشرى في المجتمع بسبب عدم تقبل ثقافة الآخر أو دينه والفهم الخاطئ للدين والغلو والتشدد فيه وكل ذلك يتحول إلى أفكار وممارسات عدوانية تجاه الآخرين تحت مسمى الأعمال الإرهابية... فالتطرف والإرهاب يظهر ويزدهر كلما غاب الحوار الفكري الحر، وغاب الاجتهاد الشجاع، فالتطرف الفكري ليس قدرا، إنه برنامج تعليمي وثقافي وتربوي وإعلامي، أي إنه منظومة فكرية وإعلامية متكامله لها وسائلها لتحقيق أهدافاً سياسيه، سواء أكانت مسخرة للمواجهه الداخليه بين السلطة السياسية وجماعات المعارضه لها، أو كانت للمواجهه الخارجيه بين الدول..ويكون هنا هدفه إما ضد الدولة أو التنظيمات السياسية والاجتماعية، أو ضد الأفراد والجماعات وضد ممتلكاتهم المادية ، أو تمارسه الدولة خارج حدود المشروعية القانونية ضد منافسيها ومعارضيها السياسيين ، بهدف الهيمنة واحتكار السلطة والاستفراد بها، بحجة حماية المجتمع وطغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة.
إن المواقف السياسية والايديولوجيه لكل دولة هي التي تحدد ما هو الإرهاب ، وما هو النضال المشروع ، وهذا ينطلق من مصلحة الدولة المعنية ، هل المصلحة تكمن في إلصاق صفة الإرهاب بالعمل المعني او إضفاء صفة الشرعية ، وما دام المجتمع الدولي محكوم بمفهوم المصلحة الضيقة ومهيمن علية من قبل الدول الكبرى تفرض إرادتها وجبروتها على الدول الصغرى ، وشعوب العالم المغلوبه على أمرها، ويبقى مفهوم الإرهاب دون تحديد لأن مصالح الدول الكبرى تقتضي ذلك.ولم يصل المجتمع الدولي حتى الآن إلى تعريف جامع مانع متفق عليه للإرهاب، ويرجع ذلك إلى تنوع أشكاله ومظاهره وتعدد أساليبه وأنماطه, واختلاف وجهات النظر الدولية والاتجاهات السياسية حوله، وتباين العقائد والأيديولوجيات التي تعتنقنها الدول تجاهه فما يراه البعض إرهاباً يراه الآخر عملاً مشروعا.
إن ظاهرة الإرهاب ما هي إلا وسيلة في يد القوى العظمى للحفاظ على الوضع القائم وتطويرة لمصلحته ، كما إنها وسيلة في يد الدول الضعيفة لاسترداد حقوقها وحماية وجودها ، ومع تأجج النضال المسلح ضد أشكال الهيمنه الاستعمارية والعنصرية اتجه الفكر الغربي نحو اعتبار العنف المتجسم في الإرهاب الدولي آفة تتحمل وزرها حركات التحرر الوطني، وكذلك القوى الثورية في الكثير من بلدان العالم الثالث.وهكذا تدور الأحداث وبما يؤدي إلى تمكين قوى التطرف وتغذيتها بكل أسباب البقاء والاستمرار.
فالقوى الكبرى وراء تمكين وتأسيس قوى التطرف وتغذيتها ودول اقليمية تتلاعب لانتزاع ما تريد بتغذية قوى التطرف الموالية لها، وما يزيد الطين بلة أن هذه القوى تتقاتل وعندما يخسر طرف واحد تتدخل الدولة الداعمة له سياسيا لحمايته امنيا لمنع تصفيته على غرار ما يحدث الآن في شمال شرق سوريا بين تركيا والإكراد ،واللعبة بكل أدواتها تهدف إلى تمكين قوى التطرف في الإقليم الذي تتواجد فيه ولحسابات سياسية مرتبطة بمصالح الدول الكبرى والمتنافسة معها، ووحدها الشعوب العربية تدفع الثمن من دماء ابنائها ومن أمنها واستقرارها ووحدتها.
أصبح الإرهابُ ظاهرةً عالمية تجتاح معظمَ مناطق العالم بدرجات متفاوتة، وتُطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بوقوع الكثير من أحداث العُنف والإرهاب التي زادت من بداية القرن الحادي والعشرين .
إن الإرهاب نوع من أنواع الاتصال السياسي الذي يقام خارج البروتوكولات أو الإجراءات القانونية، وذلك أن الإرهابيين يبحثون عن الشهرة الإعلامية، ولتأدية هذه الأهداف فهم يستخدمون العنف للوصول إلى آثار نفسية من الضعف المعنوي والهزيمة النفسية تجاه الأعداء، وإظهار قوات حركتهم للحصول على التأييد من المجتمع الدولي
من هنا يأتي دور الإعلام ليلعب دوراً مهماً في حياة المجتمع لتوعية الرأي العام بما يدور حوله من مخاطر تتعلق بأمنه وحياته، ولكي يتمكن الإعلام من القيام بهذا الدور، لابد له أن يقوم على استراتيجية واضحة الأهداف تساهم بشكل فعال في تحقيق مجموعة من الوظائف المتعلقة بتوعية الفرد والمجتمع من حيث مواجهة الانحراف والتطرف والوقاية منها أو معالجة الآثار الناتجة عنها.. فنحتاج إلى إعلام وطني شفاف يعبر عن الحقيقة في مواجهة التطرف والإرهاب ، فلابد من اليقظة والحركة، ورسم الصوره، وتوصيف الحالة الإرهابية وتوحيد المواقف والإجراءات المتخذه لمكافحته لأن المرحلة خطيرة ومتسارعه. من هنا يتضح لنا الدور الذي يلعبه الإعلام بوسائله المختلفة في التأثير على الرأي العام واتجاهات وسلوك الأفراد، وخاصة الأحداث والشباب في محاربة التطرف والإرهاب والعنف ، فلا بد من أن يكون هناك رعاية للشباب ضد الفكر المتطرف من خلال تمكينهم بالفكر الإبداعي والتوعية من خلال المنابر الإعلامية والمدارس والجامعات والأسرة ودور العبادة ...
تعددت الاتجاهات التي تناولت ظاهرة الإرهاب وأسبابها ولكنها تتفق في القول بأن ظاهرة الإرهاب ظاهرة مركبة معقدة ولها أسباب كثيرة متداخلة وتتنوع الاستنتاجات بحسب اختصاصات الباحثين ، حتى أضحت تلك المفاهيم الخاطئة والممارسات الجائرة لصيقة بالاسلام كدين وكعقيدة وكحضارة، واصبح من الصعوبة بمكان أن يفصح الاسلام عن نفسه في الآوساط العالمية بجلاء، ويظهرعلى حقيقته امام الرأي العام العالمي بوضوح، وخاصة في حقيقة أن الإسلام يرفض التشدد والإرهاب وتداعياته ويحرمه، حيث ظهر مسميات جديدة مثل
التطرف الديني وأسبابه وتداعياته، وأكدت كتابات الباحثين بأن
التطرف الديني هو الظلام الأسود الذي يسود العالم اليوم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، والتطرف الديني موجود في كل الديانات، لكن بالذات في الديانات السماوية، وبالخصوص في المسيحية والإسلام... ومن أسباب التطرف والإرهاب والعنف التي ساعدت على تنامي هذه الظواهر، عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وإيديولوجية فأعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم أي فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطاب ديني متطرف ولثقافة ترفض التسامح فيجدون أنفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التطرف والعنف فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها أحياناً في المجتمعات العربية الإسلامية في المنزل والمدرسة وأجهزة الإعلام والمسجد والشارع تتفاعل مع وجود خطاب ديني مسيس ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع ويتبنى رؤية خاصة وتفسيراً خاصاً للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والإسلامية, ويساعد على تنمية التطرف والعنف والإرهاب بين الشباب.
كما أدت هذه الظروف لظهور الفكرة الإرهابية أو العملية الإرهابية، وهي الحرمان الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام موازين العدل في التبادل الاقتصادي، واستغلال خيرات الشعوب المحرومة، وتقييد الحريات ودعم الأنظمة الشمولية، وانتشار التعامل العنصري وظواهر الإسلاموفوبيا، والفهم المشوه للدين.
ومن الأسباب أيضاً التعليم والتنشئة الاجتماعية القائمه على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة, إضافة للخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، تجانب الفهم الصحيح للإسلام. ويزيد الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتي يأتي في مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية , واحتلال الأراضي العربية والاندفاع نحو الحلول المتطرفة خاصة في ظل تنامي دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف, وأمام غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي، والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت في المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية تراجع تيار التحديث وتصاعد خطابات متزمتة فكرياً، متطرفة دينيًّا، سلطوية سياسيًّا، منغلقة اجتماعيًّا , ويضاف إلى كل هذه المعطيات الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التي أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية وانتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية، والإقليمية التي تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية، وتسيء إلى وسطية الفكر الديني المعتدل.
وكذلك من الأسباب التي أدت إلى الغلو والتطرف، ضآلة الإهتمام بالتفكير الناقد والحوار البناء من قبل المؤسسات التربوية بوجة عام والجامعات تحديدا ، وعدم الإهتمام الكافي في المناهج والمقررات الدراسية ودورها في إبراز وسطية الدين الإسلامي والأخلاق الإسلامية..فالتطرف والغلو من الظواهر الاجتماعية التي تنشأ في ظلّ عوامل نفسية واجتماعية خاصة ، وتحت ظروف سياسية واقتصادية وثقافية معينه، وتشترك جميع هذه العوامل والظروف بشكل أو بآخر في إفراز ظاهرة الإرهاب.
ومن أسباب الإرهاب هو وجود إسرائيل ولكونها لم تستطيع احتلال الدول العربية عسكريا لجأت لمثل هذه الرسائل للنيل من القدرات الدفاعية والاقتصادية وخلق جو من عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقه لإضعاف الدول العربية...وستبقى إسرائيل منبع لتوليد الفكر الإرهابي ، كما ان الاحتلال ورفض التعاطي مع حقوق الشعوب يولد المقاومة والعنف بكل أشكالها وألوانها، فعلى سبيل المثال فإن سياسإت إسرائيل الأحادية في الضفة الغربية والاستمرار في تهويد القدس ورفض التعاطي مع القرارات الدولية يغذي روح المقاومة لدى الفلسطينين ، وهذا ما تسميه واشنطن وإسرائيل بالإرهاب أو قوى التطرف وما يعنيه ذلك من إبقاء النزاع مفتوحا وبكل الاتجاهات سواء لجهة الاقتتال في غزة أو حصول المواجهات والاشتباكات في الضفة الغربية.ما تقدم من معايير للإرهاب لا ينطبق إلا على دولة إستعمارية هي اسرائيل التي تمثل نموذجا مثاليا لدولة الإرهاب والتي استمدت وجودها غير الشرعي بقرار بريطاني فرنسي منذ إغتصابها فلسطين عام 1948 لم تتوقف عن شن حروبها العدوانية التوسعية التي مكنتها من إحتلالها العسكري لكامل ارض فلسطين التاريخية.
أما أشكال التطرف فهي تظهر على عدة مظاهر منها التطرف الديني
بالتعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين كذلك التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد والعنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.
وسوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
وهناك التطرف الطائفي الذي لا يقل عن خطر التطرف الديني، فالحركات الطائفية تعيد كتابة تاريخ الوطن والأمة لتبني تاريخاً أسطوري الأبعاد يقوم على الخطاب الإنفعالي ويستنفر الصراعات ويشعل المحن ويعلي من شأن الطائفة على حساب الوطن ويدمر النسيج المجتمعي ويشيع الفوضى والخراب.
يظهر الإرهاب الفكري بألوان مختلفة ومتعددة مثل العنصرية التي تحمل أبشع صور الإرهاب من خلال انتهاك حقوق الإنسان الذي يعتبر ارهابا فكريا وإن الدكتاتورية هي نوع من أنواع الإرهاب من أجل المحافظة على السلطة. مما يجعل الأجيال أداة قوية من أدوات محاربة التطرف والإرهاب، لذلك يجب الاستعانة بكافة الوسائل التربوية لبناء شخصيات اعلاميه سوية تبني ولا تهدم، وهكذا يتوجب على الإعلام تقديم لبنة مُضيئة في بناء قوي عالٍ مانع لاستشراء الإرهاب في المجتمعات ، وبشكلٍ أساسي عندما يعني الخروج عن الأعراف والمفاهيم العامة وتقاليد المجتمعات وسلوكياتها، وأن يكون لدينا قناعة راسخة بأن أفعال التطرف لا يمكن أن تكون مقبولة وهي غير مبررة، كما أن التطرف بالمفهوم الأعمق هو الخروج عن القانون والدستور السائد في البلد الذي ينشأ فيه.ويصبح المتطرفون يطرحون أفكاراً غريبة ومتشددة وشعارها التزمت وتشمل تكفير الآخرين والبعد عن الوسطية والاعتدال والتسامح والمحبة والروح المجتمعية المترابطة.
كيف نحارب التطرف والإرهاب والعنف من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، حيث تكمن معالجة هذه الظواهر في عدد من العوامل التي يجب أن يركز عليها الإعلام، ومنها نشر قيم الاعتدال والوسطية والتسامح فكرا وسلوكا وتعزيزها باعتبارها ركيزة تستقيم بها نظرة الشباب إلى الكون والانسان والحياة.. فلا بد من إطلاق المبادرات لمكافحة التطرف والإرهاب ، بغية توحيد وتنسيق الجهود في هذا المجال، للتوعيـة بمخـاطر التطـرف والإرهاب.
فقد أصبح الإعلام يلعب دوراً بارزاً في تنمية المجتمع وتشكيل وعيه، وقد تعززت أهمية الإعلام وتأثيره في المجتمع نتيجة التطور التكنولوجي المتسارع الذي أحدث نقلة في وسائل الاتصال، وأصبح الإعلام القوة الأكثر تأثيراً في حياة الشباب والمجتمع بشكل عام، ومن هنا يأتي دور وسائل الأعلام في مواجهة التطرف الفكري، والحاجة الماسة إلى وجود كود مهني يرشد أداء الإعلام في التعامل مع الحوادث الإرهابية، ويرصد نقاط القوة والضعف في الأداء الإعلامي في معالجة هذه القضايا المهمة، ويظهر أهمية دور الإعلام المهني والوطني في حث جميع مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية لمواجهة الإرهاب والتطرف بجميع صوره، فاجتثاث جذور الإرهاب لا يمكن تحقيقه بالمواجهة الأمنية فحسب، وفي النهاية يجب تفعيل دور الإعلام في متابعة ورصد وتقييم أداء جميع المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية في مواجهة الفكر المتطرف، أي بحاجة إلى تعاون الجميع لمواجهة هذه الآفة التي شاع انتشارها في العالم بشكل عام.
لمواجهة التطرف الفكري فهناك العديد من الوسائل ذات الأثر الإيجابي منها المواجهة الأمنية الفاعلة، ووضع قوانين استثنائية تحارب التطرف الفكري، والإسراع في حل مشكلات الفقر والبطالة والفراغ الثقافي، وزيادة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وزيادة فعالية المؤسسات الدينية والإعلامية في محاربة المتطرفين والقضاء على بؤر الفساد.
فبالفكر نستطيع أن نحارب الإرهاب والتطرف والعنف، فمكافحتهم بحاجة إلى منظومة ثقافية دينية وتعليمية تدخل كل بيت ومؤسسة للتوعية ، من اجل وضع برامج لمحاصرة الافكار المغذية للتطرف والارهاب وحماية العقل من الانحراف في التفكير حتى حمايته من الانحلال الخلقي والخروج عن ثوابت المجتمع وأخلاقه .
ونتيجة لتصاعد الإرهاب فأنه يتطلب نصوصاً قانونية لمكافحته والحد من انتشاره لذلك فإنه من الضروري نشر الوعي القانوني بين فئات المجتمع لبيان أثره على مرتكب العنف اجتماعيا واقتصاديا وكذلك أثره على أسرته، خصوصاً أن هذه المهمة تقع على عاتق الجميع وخصوصا وسائل الإعلام بمختلف أنواعها والمدارس والجامعات والأسرة.
يجب أن يسخر الأعلام جميع طرقه لمحاربة الفكر المتطرف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله من خلال رؤية ورسالة ترتكزان على ضرورة العمل بروح الفريق الواحد مع كافة مكونات المجتمع للمحافظة على بيئة مجتمعية سليمة فكريا وسلوكيا، لذلك فالتصدي للفكر المتطرف ، يتطلب من الإعلام من خلال منابره المتعددة التوعية بهدف نشر قيم الإسلام المعتدلة، وتجسيد قيم التسامح والوسطية، وتحصين المجتمع من الأفكار المتطرفة، وبيان أضرارها.
يتطلب من الإعلام أن يركز على تعزيز الثوابت الدينيه والأخلاقية فهي واقية ومانعه ومنجية من الأفكار والمعتقدات المنحرفة التي أصابت سلوكياتنا، فنحن أمام واحدة من أهم الأزمات والصراعات التي تواجه العالم في عصرنا الحالي وهي أزمة التطرف الذي أصبح حقيقة لا يملك أحد تجاهلها أو تجاوزها، فبين التطرف الديني والطائفي والتطرف الأخلاقي لذلك يجب أن يكون للإعلام دور في إظهار هذة المخاطر وتداعياتها على المجتمع. ومن هنا
لا بد من تحصين الشباب من التطرف وتعزيز القيم والأخلاق لدى الشباب من خلال تأهيلهم بالفكر الإبداعي، فأصبح التأثير على العقول بالأفكار التي تغذيها وسائل الإعلام التي تأخذ في معظمها منحى الإرهاب والفكر المتطرف مستهدفه فئة الشباب، كما أصبح التأثير له أبعادا غير مشروعة من خلال التأثير علي فئة المراهقين في الإنضمام للمواقع الإباحية وإقامة علاقات محرمه تتنافى مع قيم المجتمع وعاداته وثوابته ....
كما أنه لا بد وأن تسعى الدول والحكومات إلى فرض الرقابة الكافية إلى كل ما يقدم في الشبكة العنكبوتية لمنع الدخول للمواقع التي تبث الفكر الإرهابي وسمومه .
أن يبرز الإعلام دور المثقف في مجابهة أعداء الوطن ومقاومة الإرهاب بسلاح الكلمة والفكر والإبداع.. فالمثقف له رؤية استشرافية، ولأن الإرهاب هو نتاج ثقافة من التشدّد ومعاداة التنوير وتبرير قتل المختلفين واغتيال العقل فيجب أن تكون ردّة فعل المثقفين والمبدعين عند حصول بعض الأحداث الإرهابية تتماشى مع حجم الكارثة وأن لا تكون ردود أفعالهم ظرفية وتحت تأثير ثقل اللحظة.
الأمن الفكري في مواجهة التطرف والانحراف. إن من أهم خطوات التحصين الفكري تكمن في رفع مستوى الوازع الديني والوعي العام وتنمية القيم الاجتماعية، والتحصين المسبق للأبناء والبنات.
الإرهاب يعالج من خلال التعليم والتنمية بالإضافة إلى وجود قوة عسكرية للاستعداد عن الدفاع عن الوطن.
هناك بالطبع دائما ثغرات في جدار الدول والمجتمعات وعلاقاتها وازماتها تمنح المتطرفين ملاذات آمنه وفرصا للعمل والمشاركة في أمان وحرية ، مثل الصراعات والحروب والفقر ، وقد تجد دول كبرى أو صغرى بحاجة إلى التحالف مع الجماعات المتطرفة لأجل حروبها ومصالحها أو لمواجهة ازماتها او بسب عجزها وفشلها ، ففي الدول الهشة يكون دائما مجال لصعود الجماعات المتطرفة كما نشاهد اليوم في الصومال وسوريا وليبيا واليمن والعراق ومالي وأفغانستان... لذلك فأن
مواجهة الإرهاب دون معالجة أسبابه تعني حروب بلا نهاية لأن أسباب ولادته لا تزال قائمة، فالاسباب الكامنه لم يتم معالجتها لذلك علينا ان نهتم أكثر في المناطق الساخنة وهي الدول الهشة أو الفاشلة...فرغم الجهود المبذولة رسميا وشعبيا للتصدي لهذه الظاهرة إلا إنها في اتساع مما يعني ان الحاجة ملحة لوعي شعبي شامل يتصدى لها بداءا من الأسرة ومرورا بمؤسسات المجتمع المدني وكافة مؤسساتنا التعليمية ودور العبادة من خلال تكثيف حملات التوعية عبر المحاضرات والندوات للتأكيد على خطورة هذه الأفه.
ومن هذا المنطلق فان المؤسسات التعليمية تتحمل جانباً كبيراً من مسؤولية التحصين الفكري للاجيال الناشئة حيث ان النظام التعليمي يساعد على تحويل القيم الى ممارسات تجسد مقومات المجتمع الذي قامت فيه..
أن مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف لا تقتصر على الحلول العسكرية والأمنية بل يجب التعامل مع هذه الظاهرة وفق حلول متكاملة تستند على فهم وإدراك الأسباب الحقيقية التي أفضت إلى وجود هذا الفكر المتطرف.
أهمية مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه من زاوية تربوية يتم فيها إقناع الأبناء بأهمية الحوار بينهم وغرس قيم الإسلام الصحيحة والمعتدلة والتى تقوم على عدم التسليم بالأفكار الجاهزة ولكن الأخذ بالدليل القائم على ما جاء بالقرآن والسنة النبوية الشريفه.
إن يسلط الإعلام على تنقية المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية من بث أو نشر الأفكار العدائية للآخر وضرورة العمل على مواجهة الشائعات بالمعلومات الصحيحة للسيطرة على الأشخاص الذين يسعون لترهيب الأفراد نفسيا ومعنويا وأن يسلط الإعلام الضوء على الجوانب الإيجابية فى المجتمع لتشجيع المواطنين على العطاء والبذل وعدم الاقتصار على الجوانب السلبية والتى تبث روح اليأس فى المجتمع وبث روح الانتماء لهذا الوطن مع تعريف الشباب بأمجاد حضارتهم ونشر روح الوطنية في الشباب واستخدام القوى الناعمة التى تؤثر فى الوعى من خلال القوافل التوعوية والأنشطة الفنية والعروض الثقافية التي فيها من الصور التوعويه الكافيه التي تجسد الوعي الفكري واليقظة لدى الشباب .
يتوجب على الإعلام أن يظهر دور التعليم في الحفاظ على الأجيال القادمة وتحصينهم ضد الأفكار الخاطئة والتى أصبحت منتشرة حولهم وتنظيم ندوات بهدف رفع وعى الطلاب لمناهضة ثقافة العنف وعدم الوقوع فى براثن الفكر المتطرف.
المساهمة في الحد من ظاهرة التطرف والإرهاب في تحصين الشباب الجامعي ضد الافكار المتطرفة، من خلال التعلم الذي يعتبر الطريق الأمثل لتغيير السلوكيات السلبية التي تفتك بمجتمعاتنا.
أن يركز الإعلام على تعديل المناهج التعليمية بما يتناسب مع ديننا وعاداتنا وقيمنا وموروثنا وتقاليدنا، باعتبار أن المعرفة هي سمه العصر الجديد، والبحث عن ثقافة الابتكار والتجديد بالاعتماد على المنهجية العلميه في تحليل التحولات الاجتماعية...
يحتاج الأمر إلى جهود تربوية وتثقيفية لإزالة هذه القناعات الواهية البالية واحلال قناعات إيجابية وعادلة وانسانية عبر حوارات ولقاءات وبرامج توعية اعلامية شامله ومفتوحة بالإضافة إلى جهود المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام المتنوعة الأخرى .
يتوجب على الإعلام العمل على صناعة الأمن الفكري لدى طلبة الجامعات بأعتباره ضرورة حتمية للوقايه من مخاطر الإرهاب والتطرف والعنف. فالأمن الفكري يعد من المفاهيم الحديثة التي لم تُعرف قديماً في ثقافتنا بلفظها، وهدفها في حفظ الانسان والعقل معاً، ويُعد هذا المفهوم ضمن سياق منظومة مفاهيمية متقاربة تتصل بعضها ببعض، لتشكل بناءً متكاملاً. كما يُعد الأمن الفكري ركيزة أساسية للأمن المجتمعي الشامل داخل الدولة لكونه يتعلق أساساً ببناء عقول أبناء المجتمع وثقافتهم وسلوكهم، وحمايتها من الأفكار الهدامه التي تعصف بالبشر والمجتمع، ومن ثم تتضح الحاجة الماسة إلى تناوله وإلقاء الضوء على ماهيته ومهدداته ووسائل تعزيز، بـأنه يحقق للمجتمع تماسكه؛ وذلك بتحقيق التلاحم والوحدة في الفكر والمنهج والغاية، إضافة إلى أن الفكر في أي مجتمع هو الذي يحدد هويته وذاتيته المميزة ، كما أن تحقيق الأمن الفكري لدى الأفراد هو المدخل الحقيقي للإبداع والتطور والنمو لحضارة المجتمع. الأمن الفكري جزء من منظومة الأمن العام في المجتمع، وهو ركيزة كل أمن وأساس لكل استقرار، الأمن الفكري للوطن هو شعور الدولة والمواطنين باستقرار القِيَم والمعارف والمصالح محل الحماية بالمجتمع، ووحدة السلوك الفردي والاجتماعي في تطبيقها، والتصدي لكل من يعبث بها
نحن بأمس الحاجة اليوم إلى الاطمئنان إلى سلامة الفكر من الانحراف، الذي يشكل تهديدًا للأمن الوطني، أو أحد مقوماته الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية..الأمن الفكري يمثل حصانه للمجتمع من الغلو والتطرف والانحرافات السلوكية....فالشباب يتعرضون لشحنات إيديولوجية قويه والبعض منهم يرغب من خلال هذه الزاوية السحرية بتطهير نفسة لذلك لا بد من تثقيف الشباب وتحصينهم ضد التطرف. لذلك فأن سبب الأمن الفكري هو كثرة التفسيرات والتأويلات في تفسير النصوص الدينية، حيث تولدت إشكالية التفسيرات والتأويلات في الأحكام...فتنوعت وتعددت المدارس الفكرية تتكلم عن المصطلحات في القضايا الدينية.
إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تواجه اليوم خطرًا كبيرًا يتمثل في تلك الجماعات والكيانات التي تتبنى الفكر المتطرف، وتعبث في الأرض فسادًا، وتستبيح الدماء التي حرمها الله، وجعل قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعًا، وتقوم بنشر الفزع في كل مكان تحت أسماء كاذبة وشعارات مزيفة، ويمثلون بتلك الأفعال خطرًا شديدًا على حياة البلاد والعباد.
اليوم نحن في عصر الانفجار المعرفي، والانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات، عبر الشبكة العنكبوتية وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على اهتمام الشباب، وللتأكد من مدى توفر الأمن الفكري في مجتمع ما، فعلينا أن ننظر إلى عقيدة ذلك المجتمع، وقيمه التي يعتنقها، ومبادئه التي يؤمن بها، وما يحمله من تصور مشترك يحدد الرأي العام حيال قضاياه المصيرية.
الخلاصه...أن ظاهرة الإرهاب هى نتاج الفكر المتطرف الذى يكون نتاج عوامل اقتصادية أو دينية واجتماعية والبعد عن الدين والأنشطة الثقافية الهادفه إلى التعليم والتوجيه والتأهيل لتحصين المجتمع بالفكر والمعرفة والوعي بمخاطر هذه الآفات المدمرة... فأصبحت ظاهرة الإرهاب من أكثر الظواهر خطورة على السلم والأمن الإقليمي والدولي ، وعاملا خطيراً في نشو الكثير من الصراعات والنزاعات، ومن الصدمات المسلحة بين الدول، فأخذ هذا الإرهاب يتمدد ويكبر حسب الأزمات الساخنه في العالم ومن يستغله لتحقيق أهدافه ومصالحه، فالفكرة له قابلة للتمدد دون عضوية رسمية بأي تنظيم، لأنه يوجد له حاضنات سرية تغذيه ، لذلك فأن الفكر المتطرف لا يموت بسبب الفكرة الممنهجية التي تقوم علية هذه التنظيمات التي ما زالت موجودة بسبب دعم الدول الكبرى لها والتي تتمرد على القوانين وبسبب غطرستها وعدم احترامها للمواثيق الدولية التي هي طرف في صناعتها . كما أصبح الإرهاب أداة من أدوات تنفيذ السياسه الخارجية للدول ولا سيما من القوى العظمى لأكساب الإرهاب مشروعيته السياسيه إن لم تكن مشروعيته الدوليه..حيث أضحى الإرهاب نسقا في الصراع السياسي يعتمد على وسيله الرعب بهدف تغيير نسق سياسي أو نظام سياسي، فالإرهاب له قدرات متعددة الاتجاهات ومتنوعة الأسلحة، ومن بين هذه الأسلحة السلاح الفعال والمخيف الذي يتميز به الإرهاب وهو السلاح النفسي الذي يشكل جزءاً من هذة الظاهرة.
ومن هنا يتوجب على الإعلام أن يسلط الضوء في معالجته لهذه الآفات على الأفكار المتطرفة ومواجهتها ومعالجتها ووضع الحلول المناسبة والفعاله للحفاظ على الشباب لأنهم هم المستهدفين الرئيسين لهذه الأفكار . فالتطرف الفكري في كل الحضارات والمجتمعات، لا يقتصر وجوده على حضارة معينة ، وكذلك لا يمكن ربطه بدين معين، أو عقيدة بذاتها، ففكرة قبول الآخر والاعتراف بالمساواة بين البشر التي تضمنتها كل الرسالات السماوية والقوانين هي أساس التعايش السلمي الذي يدفع نحو العمل من أجل تقدم المجتمع الإنساني كله.... وتأثير الإرهاب على المجتمع لا يرتبط فقط بنشر التفجيرات والقتل والخوف والفزع، بل يتخطى تأثيره إلى أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية ودينية أيضًا، فلو نظرنا نظرة فاحصة لما يعود من أضرار هذه الأعمال فإن الارهابيون يريدون بناء العالم من جديد حسب إيديولوجياتهم ومذاهبهم الفكرية.
ونقول سيتلاشى ويغيب مخاطر التطرف والإرهاب والعنف المتفلّت من الضوابط والأعراف والقوانين كلّها عندما يقوى صوت تيار الوعي السياسي والتنوير الثقافي في العالم ، ويتزايد تأثيرة بأن يكون أكثر قوة وفاعلية في مواجهة الإرهاب الذي يجتاح العالم بجذوره المحلية والإقليمية وروافده الدولية من المستفيدين بوجوده .وعلى الإعلام أن يعمل لمعالجة قضايا الإرهاب والتطرف والعنف بالدعوة لأيجاد البيئة الخصبة ومهارات التعليم وتحفيز الإبداع والابتكار للشباب بهدف الابتعاد عن الفكر الظلامي والافكار المتطرفة الهدامه من خلال التمكين بالفكر الإبداعي وتحصينهم بالقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية لأنها تعتبر جدار صد ضد هذه الظواهر الهدامه حيث أن مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب بالفكر والتوعية تشبه المناعة في الجسد هذه المناعة ليست وليدة لحظة، مهاجمة الفيروس للجسد بل هي استعداد ذكي وتموضع متقن، ليست الفيروسات وحدها الذكية، والمناعة فهي تحتاج إلى إسناد دائم، وتغذية وتحصين، مثل
تفعيل الحوار بين مختلف الشرائح وعلى كل المستويات فمن خلال الحوار البناء الهادف لإيجاد الحلول وتطبيقها، وليس الحوار من أجل الحوار فقط.فمثل هذه الحوارات باتت حاجة ملحة لكل مجتمع تُفرض عليه تحديات كبرى ، والتي تتطلب تماسكا ووعيا مجتمعيا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الجلوس مع جميع الأطراف والتحاور معها..
ونقول بالفكر والعلم والتنوير تصان وتحمى وتبنى الأوطان حيث أن تحرير الفكر من التطرف أهم من تحرير الأرض نظرا لخطورته على الإنسانيّة أجمع..
فكما هو الحال يستطيع الإرهابيون توظيف الإعلام لتحقيق أغراضهم كذلك تستطيع الحكومة في دولة ما توظيف الإعلام لمجابهة الإرهاب وذلك بنشر الأفكار السامية المتحضرة التي تدعو إلى السلام والمحبة والتعايش السلمي بين الحضارات المختلفة.
إن المعالجة الشاملة للإرهاب لا ترتبط بالسياسات الإعلامية على أهميتها لوحدها، وإنما تعود إلى أسباب متشابكة، سياسية واقتصادية وثقافية، تتفاعل في إطار سنة التدافع بين الأمم والشعوب، وما لم ينهض العالم الإسلامي بدوره في التصدي لمشكلاته بنفسه، وإعطاء الشعوب حقها في الكرامة والعدالة والحرية، والدفاع عن المقدسات والمصالح المشروعة في إطارٍ من التوازن والعدل، ما لم يتمّ ذلك فستظل الأمة العربية والإسلامية تعاني من اختلالٍ في أوضاعها وستظل البشرية تواجه حالة من التصادم تعكّر صفو العيش المشترك في ظل السلام والوئام.
لذلك يتوجب مواجهة هذه الغدد الخبيثه بكل حزم من خلال التحصين بالأمن الفكري لأنه أمان للوطن والمواطن، فيتواحب على قادة الرأي وأصحاب القيم والمبادئ غرس الأفكار والعقائد الصحيحة في عقول الناشئة لمواجهة الفكر الظلالي لما له من تأثير سلبي على عقول الشباب وإنحرافهم عن قيم المجتمع الذي يعيشون فيه ، ولأهمية الأمن الفكري فقد شهدت الفترة الحالية تطورا فى سياسات مكافحة الإرهاب والتطرف التى اتبعتها الدول بكافة أجهزتها، فى مكافحتها للأفكار المتطرفة وهذا التطور لا يقتصر على السياسات الأمنية وإنما بالفكر والثقافة والقوافل التوعوية للشباب نحارب الفكر المتطرف. فالإرهاب سيرحل عندما يتم الإتفاق والتفاهم على الإختلافات الموجودة بشكل صريح .
ورغم أن هناك الكثير من المواعظ عن خطورة التطرف ومأسيه إلا أنه بالمحصلة النتائج قليلة ومتدنيه في التغيير وفي السلوك ومع أن هناك أيضا برقيات تصدر من أصحاب الفكر والرأي لمحاربة المنظمات الإرهابية لكن دون جدوى بسبب وجود حواضن لها تؤمن بفكرها... باعتبار أن الفكر المتطرف الذى يؤدى إلى اقتناع البعض به وتبنى الإرهاب كوسيلة للتعبير عن رأيهم وسلوكياتهم الخاطئة لذلك علينا أن نواجه الأفكار المتطرفة التي من أسبابها الفراغ الفكرى الذى يولد التطرف والذي يجب أن يملأ بالعلم والعمل لأن العالم أشد على الشيطان من العابد والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية الغير سوية وتأويل الآيات القرأنية والاحاديث بطريقة خاطئة التي تكون احيانا مصدر للإرهاب.
أن دور الدولة وحده غير كافٍ لمواجهة الارهاب ولكن لأبد من العمل وفق قواعد وخطط قومية بمشاركة كافة القطاعات والأفراد
وإيجاد برامج وطنية وقائية بمشاركة كافة مؤسسات الدولة المعنية لنبذ الأفكـار المتطرفة وخطابات الكراهية، وتشجيع الخطاب الذي يتسم بالوسطية والاعتدال وعلى تهيئة كافة الظروف المناسبة لاستقرار المجتمعات، والعمل على تعزيز دور الأسرة في الأمن الفكري وتوعيتها بمؤشرات التطرف حتى لا يقع أفرادها ضحية للدعاية الإرهابية، وذلك من خلال التربية التي تركز على تقويم السلوك والأفعال وتغيير الفكر والرؤية الى ما هو افضل عبر عملية مستمرة تبدأ بالنفس أولاً قبل تربية الأولاد لنكون نحن - الكبار - نماذج صالحة يُحتذى بها..
لقد آن الأوان للعلماء والدعاة وأهل الرأي أن يضعوا الحلول الناجعة في تخليص شباب الأمة من براثين التعصب الديني بكشف عوراته وتزييف دعواه، وتقديم التصور الإسلامي الصحيح في ما يعرض هنا وهناك من مقولات وتصرفات لم تعد خافية على متابع، والتصدي لخطر هذه الظاهرة ووأدها قبل أن يتطاير شررها في المزيد من بلدان العرب والمسلمين.. إن اقناع الناس بالأفكار ليس شيئا بعيد المنال ولكنه يحتاج إلى فن وفكر ومهارة ، فالناس يمكنهم أن يتخلوا عن أفكارهم إلى أفكار سليمة بمحض إرادتهم إذا اقتنعوا بها ، فتغيير القناعات لا يمكن حصولة بالضغط أو بالالزام ابدأ ، بل تغيير القناعات بالرضا والقبول والإثبات والبرهان والجاذبية والقريب..
وأخيراً نقول نحن بحاجة إلى ثورة تنويرية تربوية ودينيه وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية تعيد توازن القوى فكراً ومنهجاً وسلوكاً لأبنائنا، فإن لم تتغير الثقافة والقيم لن يتغير السلوك ولن تتغير الأتجاهات والميول الفكرية المتطرفة وخطابات الكراهية المغذيات للإرهاب وتمدده في المجتمعات. من هنا يتوجب على الإعلام أن يكون لديه رؤية استشرافية نحو المستقبل ليس بإنتاج أشياء استهلاكية تنتهي بمدة صلاحيتها ، وإنما بإنتاج أفكار إبداعية وتوفير محفزات الإبداع والابتكار والفهم والحوار... فهذه المظلات تعتبر واقية ومانعه ومنجية وحامية لمواجهة الفكر الظلالي والممارسات الإرهابية المتعلقة به، أن أحسنا توجيهة الوجهة الصحيحة وبما يتماشى مع قيمنا وثوابتنا الدينية والأخلاقية والإنسانية، وموروثنا الثقافي وتقاليدنا التي توارثناها عن ديننا الحنيف وحضارتنا ذات القيم الإنسانية....!!!