في مقال منشور اليوم الإثنين ٢٠٢١/١١/١٥ في جريدة الدستور للكاتب والإعلامي حمادة فراعنه استوفقتي جملة عن فطنة الحسين وذكائه وقوة نسجه للكلمات التي تشكل فلسفة يصّح أن يتعلم منها كل إنسان في حياته.
فأولاً وقبل كل شيء في ذكره ميلاده السادس والثمانين نستذكر الراحل العظيم الأب الباني والإنسان الحاني الذي نذر نفسه لخدمة أمته ولم يغلق بابه أمام مستجير. وكنا في المؤتمر الدولي الذي عقدته الجامعة الهاشمية في أوائل الشهر الحالي أن تناولنا "صور الأردن في العالم في مئة عام ". ومن بين المشاركين معالي د. ياسين الحسبان/ عضو مجلس الأعيان ووزير الصحة الأسبق الذي شاركنا خبرته الشخصية بحادثة استنجاد إحدى السيدات بجلالة الملك الباني في معرض زيارته للمدينة الطبية للمساعدة في علاج ابنتها من مرض السرطان، ووعدها خيراً، ولكن ما غادرت المكان حتى همّ جلالته بمغادرة المدينة الطبية فألحت على طلبها. فما كان من جلالته ألا وأن استجاب لطلبها رغم أنه علم عن وضع ابنتها الصعب وفي مراحل متقدمة من مرضها، ومع كل ذلك أمر بسفرها إلى مايو كلينك للعلاج تلبية لنداء هذه الأم المتلوعة على وضع ابنتها التي لم يمهلها المرض طويلاً فتوفاها الله. فسأل الحسين، لماذا أمرتَ يا سيدي بسفرها وعلاجها في الخارج وحالتها متقدمة وبما معناه يصعب شفاؤها، فأجاب رحمه الله: لا أقدر أن لا ألبي طلب أمٌ تستغيث لإنقاذ ابنتها، وليبقى دعاؤها لنا بالخير على الدوام.
فمن منا لا يدعو ولا يذكر الراحل العظيم ويذكر سجاياه وتواضعه وإنسانيته وحبّه لشعبه الذي أثبت بجنازة العصر أنه ملك استحَّقَ التربعَ على قلوب شعبه، ولا تبرح صورته من مخيلتهم، واليوم يرون حكمته وبصيرته وجرأته وإنسانيته تتجلى بأبها صورها في شبلٍ هاشمي جلالة مليكنا عبد الله الثاني حفظه الله يحتل أرفع مكانة وأسماها بين الدول والشعوب.
وماذا أعظم من أن يكون الإنسان ملكاً صاحب كلمة وسلطان وأسيراً في الوقت ذاته. فموقعه ومسؤوليته تولّد لديه مواقف مشرّفة تجعل من صاحبها أن يكون أسيراً لها وفي خدمة من إتمئن على مسؤوليتهم. فالموقع ليس تشريفاً بقدر ما هو تكليف كما عبر جلالته في مواقف عدة قائلا " لنبنِ هذا البلد ولنخدم هذه الأمة". فهل الإنسان الأردني ما زال الإنسان أغلى ما نملك كما كان بالنسبة إلى الحسين رحمه الله عندما نتبوأ شتى المواقع والمسؤوليات التي نتشرف بقيادتها، أم أن مناصبنا تُحيدُنا عن خدمة الناس من أجل خدمة مصالحنا وأجنداتنا. ما علمّنا إياه الحسين رحمه الله هو أن يكون لنا في الحياة مواقف مشرّفة مهما كان الثمن الواجب دفعه، فإن لم نكن أسرى لها ومأسورين للتمسك بها والتضحية من أجلها فلن نقدر أن نفي وطننا وشعبنا حقهم تجاهنا.
في الذكرى السادسة والثمانين لميلاد الملك الباني أمطر الله عليه شأبيب رحمته، نستلهم قوة وعزيمة بأنَّ على هذه الأرض الأردنية ما يستحق الحياة، وسيبقى الأردن قلب العروبة النابض وبوصلتها نحو فلسطين والقدس ومقدساتها.