هل سمعت بقضية "بلانكو" هذه القضية التي تعد نقطة الأساس والبداية للوجود الحقيقي والواقعي للقانون الإداري، والتي توالت بعدها الأحكام واستقرت المبادئ القانونية لتشكل دعائم وأساس لـلقانون الإداري وتضمنت انطلاق مذهل للإجتهاد القضائي.
في هذه القضية تحديدا أصبح هناك قبول ضمني لمسؤولية الإدارة بشكل عام فقد تبنت محكمة التنازع الفرنسية بموجب هذا القرار مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن المرافق العامة، و من جهة أخرى اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بها،فقد أرست هذه القضية عنوانا جديدا للنهج المتبع لمحاربه المسيئين لاستخدام السلطة .
تعد إساءة استخدام السلطة شكل من أشكال سوء استخدام المنصب، والذي يتضمن اتباع سلوك غير قانوني، يتم بصفه رسمية، مما يؤثر على الأداء العام والواجبات الرسمية وغالبا ما يكون سوء التصرف في هذه الحاله سببا لإزالة مسؤول بطرق قانونيه أهمها إستفتاء الرأي العام في الأداء .
وهناك تعريف آخر لإساءة استخدام السلطة وهو الشخص الذي يستخدم القوة والصلاحيات لتحقيق مكاسب شخصية بغرض الضغط على فئة معينه دون غيرها من غير مبرر كافي وهنا تسيطر التوجهات الداخليه بعيدا عن الأهداف المؤسسية.
وهنا نرجع لأهم الإساءات المؤسسية وهي سوء معاملة الموظف أو مجموعة من الموظفين من قبل المسؤول ويمكن أن يتصف ذلك بين أفعال مماثلة للإساءة للموظف ، مثل الإهمال والتهميش وحياكة المؤامرات، أو إعتماد طرق قاسية و غير عادلة تجاه هؤلاء الموظفين بدءا بالعقوبات والضغوط في العمل.
إن كل شخص مسؤول عن أعماله و تصرفاته تبعا للقاعدة التي تنص على أن كل شخص يسبب ضررا يلزم بالتعويض، و على غرار ذلك فقد تتسبب الإدارة في أضرار نتيجة الأعمال التي تقوم بها أو بوصف أدق نتيجة الأعمال التي يقوم بها الموالين للسلطة.
ومن الواجب هنا طرح السؤال الآتي : هل يمكن للشخص المتضرر أن يطالب الإدارة بالتعويض، و هل يمكن أن تكون الإدارة مسؤولة عن أعمالها وتصرفاتها أمام القضاء .
إن المبدأ العام الذي يجب أن نعرفه هو أن الإدارة تسأل عن كافه أعمالها وتصرفاتها مهما كانت ويمكن للأشخاص رفع دعوى قضائية والحصول على تعويض أيضا في حال ثبوت الضرر.
حيث أن القضاء تطور وتطورت مواقفه تجاه عدم مسؤوليات المسؤولين في المؤسسات حيث تم اللجوء لعدة نظريات لتقيم الأساس القانوني لهذه المسؤولية، و من بين هذه النظريات نظرية المرفق العام و نظرية الدولة.
ولنتعرف أكثر على أهم الأسباب و المبادىء التي إعتمد عليها المشرع لقيام مسؤولية السلطة العامة و ماهي القواعد التي تحكمها :
_ أن للمسؤول في الإدارة السلطة التقديرية لإتخاد القرارات الإدارية المناسبة في إطار ممارسته لمهامه ومسؤلياته ، إلا أن ممارسة السلطة التقديرية في إطار القيام بهذه المهام يجب أن يراعى فيها الشكل الذي فرضه القانون وليس التلاعب بمضمونه وأخذ الظاهر منه وترك المضافين الرئيسية.
_ اتخاذ القرار يجب أن يدخل في إختصاصه و في حدود صلاحياته، إلا أن الإدارة في الكثير من الممارسات تتخد قرارات تدخل في إختصاصها و لكن لتحقيق حالات و أغراض أخرى غير التي وضعت من أجلها و هذا ما يعرف بعيب إنحراف واستخدام السلطة.
_ تحقيق غرض آخر غير الذي من أجله منح هذه السلطة ، و يمكن أن نجد لهذا العيب مجالات واسعة يسعى فيها الإداري إلى أغراض أخرى تعود عليه بالنفع له أو لغيره ومن هذه الحالات إستعمال الشخص للسلطة بقصد تحقيق نفع شخصي أو بقصد إنتقام شخصي أو لغرض سياسي أو التهاون الذي يخدم فئه معينه من الموالين له.
_ الإنحرافات الإدارية و الوظيفية أو التنظيمية و تلك المخالفات التي تصدر عن المسؤول العام أثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات و القوانين و الظوابط و منظومة القيم التي لا ترقى للإصلاح وتطوير التشريعات و القوانين التي تقتنص الفرصة للإستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار و المشرعين لمراجعتها و تحديثها بإستمرار .
_ قله الوعي و عدم معرفة الآليات و النظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة و هو أمر يتعلق بعامل الخبرة و الكفاءة لإدارة الشؤون العامه.
_ غياب الثقة في تطبيق المثل الإنسانية في المؤسسه .
ومن الناحية القانونية نستشف أن في حاله ارتكاب السلطة مخالفات تتمثل في تحقيق أغراض و غايات خاصة يتحقق مفهوم إساءة استخدام السلطة حيث يتخد القرار في ظل المشروعية بينما يخفي في ثناياه أهداف شخصية تتنافى و مبدأ المشروعية .
و هذا أمر منطقي ، فلا يتصور أن يصدر قرار بعقاب موظف السبب هو إجراء إنتقامي ، فالذي يحدث عادة هو أن المسؤول يوقع العقوبة التأديبية إستنادا إلى سبب غير صحيح او بالأحرى متفق عليه مسبقا.
حيث أن العقوبة المفروضة غير ملائمة للجريمة المقترفه و لهذا السبب فإن إساءة إستعمال السلطة تعتبر مظهرا من مظاهر إتباع الرقابة القضائية على أعمال الإدارة حيث لا تقتصر على فحص الشرعية الخارجية بل تمتد إلى كشف النوايا الداخلية و البواعث النفسية التي تدفع الإدارة لاستخدام سلطاتها و ممارسة إختصاصاتها بهذا النهج .
من الناحية التطبيقية نظرا لتوسع مجال إساءة إستعمال السلطة وتعدد دعاوى بطلان الإجراءات أمام القضاء، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى المتابعة القضائية للمسيء في إستعمال السلطة، عليه وجب تحري البواعث الخفية التي كانت الدافع وراء إنتهاج ذلك السلوك و هل كان ذلك للصالح العام أم للصالح الخا، فكلما كان القرار أو الإجراء الإداري أو القضائي يتضمن عيب في إساءة إستعمال السلطة يفقد مشروعيته بالكامل .
وسنتعرف أكثر على شروط إساءة إستعمال السلطة، ليفقد أي قرار مشروعيته بشكل كامل.
- أن تنحرف الإدارة عن هدفها الأساسي و هو السعي لتحقيق الصالح العام وأن تقصد الإدارة بجميع أعمالها و تصرفاتها تحقيق الصالح الخاص لها .
- عدم إضفاء الطابع القانوني لقرارات الإدارة من التمييز والتحيز والمحاباه.
- الخروج من الصالح العام أو تحقيق الغرض الذي لم يقصده المشرع وهو عدم تحقيق العداله والمساواة.