يخطئ من يظن أنَّ الدموعَ هي فقط دموعَ الأحزان، ولو أن دموعَ الأحزان هي أكثر أنواعِ الدموع تعبيراً عما يعتصر القلب ألماً وحسرة جراء تقلبات الحياة وغدر الزمان وغياب الأحباب. ونسمع أيضاً عمّا يسمى بدموع التماسيح، وهي الدموع التي توحي لنا بالندم ولكنها مجرد حباتٍ ارتسمت على الوجه اصطناعاً لا تحملُ أي معنى من المشاعر والأحاسيس وهدفها الخديعة والتضليل.
وهناك نوع آخر من الدموع هي دموع التعب والجهد والعرق. وربما هي سنّة الحياة أن لا يتأتى أيُّ نجاح من غير تعب ومن غير جهد حقيقي، فأيُّ حصاد يكون من غير زرع؟ وأيةُ نتيجة تكون من غير جهد؟ لذلك فمثلُ هذه الدموع تعكس إصرار الإنسان وعزمه على تحقيق النجاح. فمن يدّلُ على طريقٍ للنجاح من غير اتباع آليةٍ تتطلب الجهد والتعب والعرق. فالحياة هي مسيرةٌ فيها فرح ونشوة النجاح ولكنها لن تخلو من مثل هذه الدموع التي ستشِّعُ في يومِ تحقيق النجاح ويوم الحصاد، " فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالإبتهاح" (مز 5:126)، فقد يحصد البعض لكن من غير ابتهاج لأنهم يحصدون تعب غيرهم وجهد غيرهم. ويكثر في عالمنا اليوم من يتسلق على ظهور الآخرين وعلى تعبهم وعلى جهدهم، مما يشكّل عامل احباط لدى كثيرٍ من المبدعين والمخلصين والجادين في عملهم.
ومن هذا المنطلق ندافع عن حقوق الملكية، فلا يجوز بتاتاً لأحد أن ينتحلَ تعب آخرين وينسبه لأنفسهم زوراً. فكم من تكريمٍ حصل لأشخاص نَسَبُوا فضل غيرهم لهم وسرقوا أبحاث ليست لهم، وكم من شهادة تكريم فاز بها البعض وهي حقاً لا يستحقونها. فمن غير الجائز أن نحصدَ ما لم نزرع أو أن نمتلك ما ليس لنا تعب فيه. وهذا من نتعلمّه في المنهج العلمي بأنْ ننسِبَ الأفكار لأصحابها فهذا لا ينتقص من قيمتنا بل يعزز مكانتنا العلمية ومدى اطلاعنا ودقة بحثنا ومثابرتنا، لا وبل تعزيز طروحاتنا وقناعاتنا ونظرياتنا.
لربما عالمنا اليوم يتجه نحو اختصار المسافات وتوفير الجهد والتعب، وهذا قد يصح في عالم الصناعة والزارعة والمواصالات والإتصالات، ولكن يبقى مبدأ تحقيق النجاح مرتبط بمدى بذل الجهد اللازم والضروري، فدمعة التعب والجهد ستشّع وتلمع فرحاً في يوم تحقيق النجاح.