إن أعظم ما قام به السامري الصالح بفعل الرحمة الإلهية التي وضعها الله على قلبه أنه ضمّد جراحات ذاك الذي وقع بين لصوص، الذين عرّوه وجرحوه وتركوه بين حي وميت.
وهذا هو فعل الرحمة الذي يضعه الله على قلوبنا فتتحرك فينا مشاعرنا الإنسانية، وتترجم وتتحرك كلُّ حواسنا تجاه تضميد الجراح لكي لا تبقى نازفة ويبقى الجرح مفتوحا ونبقى نحن متفرجين متأسفين ومتعاطفين من بعيد من غير أن تترجم تلك الرحمة إلى فعل يُسهم في إنقاذ حياة النازف المضرّج بدمائه..
لربما عالمنا اليوم أشبه ما يكون بهؤلاء المتفرجين، المتلبدة فيهم مشاعرهم، والمأسورة حياتهم بالخوف، والمكبلة أياديهم عن نزع قميصهم وتضميد تلك الجراح النازفة، على الإقل للمساهمة في إيقاف ذلك الجرح من مزيد من النزيف الذي سيؤدي لا محالة إلى الإتيان على الجسد بما لا يحمد عقباه..
لذلك فإنسانيتنا التي وضعها الله في قلوبنا تتجاوز حدود التعاطف والشعور النبيل والتمنيات بالشفاء إلى فعلٍ يسهم في الإتيان الشفاء وذلك على الأقل بتضميد الجراح وقطع مزيد من النزيف، مما يعطي الأمل بالشفاء وإنقاذ حياة إنسان من الضياع والهلاك.
وربما بكلمة واحدة نسهم اليوم في تضميد جراحات الناس النازفة الذين قسى عليهم الزمن، ونكون سببا في استعادة عافيتهم وصحتهم واستعادة نشاطهم. لذلك دعانا الله دعوة مقدسة أن نصنع الرحمة فهي أفضل من كل الذبائح والمحرقات، وهي العبادة الصادقة التي يتنسّم منها الرب الإلهة رائحة الرضى ويُسّر قلبه. فما فائدة تديننا إذاً إن خلت قلوبنا من تلك الرحمة، وإن لم نسهم في تضميد جراحات الآخرين من حولنا؟ فبتجاهلنا لهم وعدم اكتراثنا وعدم مد يد العون والمساعدة لهم فإننا نسهم في المزيد من معاناتهم التي قد تقود لفقدان حياتهم.
قد لا تسمح لنا ظروفنا وإمكانياتنا وقدراتنا أن نعالج الناس ونشفي جراحاتهم، ولكننا نقدر على الأقل أن لا نجعل جرحهم نازفا.