كتبنا ونكتب عن التعليم، وليس سراً أنه أساس رفعة الأمم وتقدمها وإزدهارها، والتجارب العالمية معروفة، والتعليم بشقيه العام والجامعي في بلدنا متراجع بإعتراف الجميع، وأهم ما هو مطلوب من الحكومة لتطوير التعليم وجعله أولوية وطنية أن تأخذ على عاتقها أمرين، الأول مراجعة وتطوير السياسات والحاكمية، وثانيها التمويل.
ونحن على ابواب العام الجديد 2021 ، وفي صدد إقرار ميزانيته، ارى انه من الأهمية بمكان مراجعة مخصصات التعليم ودعم الجامعات وجعل ذلك أولوية قصوى لدى الحكومة وصناع القرار، وعنوان المقالة ليس للجذب وإثارة القارئ، وليس من قبيل جلد الذات، لكنها حقيقة نعيشها في وطننا الحبيب، دول العالم تتقدم وتعمل كل ما تستطيع لتطوير أنظمتها التعليمية في كل مستوياتها، لان كل العارفين والمخططين يدركون انه إذا أردت أن تبني الأوطان فعليك بناء الإنسان، وإذا أردت بناء الإنسان فعليك بناء نظامك التعليمي، حقيقة لم تخذل من فهمها وعمل بها والتجارب العالمية تتكلم، والأمثلة كثيرة، حتى أمريكا، القوة العظمى لم تنهض لا بالنفط ولا بالموارد الطبيعية على أهميتها، بل ببناء نظام تعليمي مؤسس فلسفيا، عمل عليه مجموعة من العلماء لمدة عشرين عاماً في البدايات، وبني على الأطر الفلسفية البرغماتية والتي قادت مسيرة تطوره، وعمل هؤلاء العلماء والتربويين المرموقين لسنين إلى أن وضعوا خارطة طريق أوصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تسيد العالم تكنولوجيا وصناعيا وبالتالي اقتصاديا وعسكريا من خلال النظام التعليمي والبحث العلمي.
في الأردن شُكلت لجان كثيرة آخرها اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016-2025، والأمور نظريا جيدة لأنه تم تشكيل لجان تنفيذية لمتابعة تنفيذ توصيات اللجنة وتحويلها إلى خطط عمل فعلية،وهنالك متابعات للتنفيذ، والواقع أن ما تم تنفيذه وطنيا من مقرراتها قد يكون لا شيء ، أو قليل جداً لا بل ضحل ونحن نقترب من 2025 حد تحقيق أهدافها..! وأملنا أن تقَيم وزارة التعليم العالي أو اللجنة التي شكلت سابقاً لمتابعة التنفيذ، ما تم تنفيذه وما هو مأمول… أو مراجعة الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية وتحسينها ووضعها موضع التنفيذ، ومراقبة ومتابعة عملية التنفيذ فعلياً لا شكلياً...!
هذا في مجال السياسات والحاكمية، ولكن أين يكمن وجعنا؟ وجعنا الأكبر حاليا المديونية والعجز الكبير الذي ترزح تحته الجامعات، ويقابل ذلك شح في التمويل والدعم حد التقتير من الحكومات المتعاقبة، وكأن أمر التعليم ومتطلباته من الأموال هي آخر أولويات الحكومات، ربما لان نتاجات النظم التعليمية لا تظهر بشكل مباشر على إقتصاديات الدولة، مثل المشاريع الرأس مالية أو تمويل قطاعات الخدمات والبنية التحتية المختلفة، لأننا استوردنا مصطلح الاقتصاد المعرفي وأشبعناه تنظيراً ولم نطبقه ونفهمه كما يجب، ولأننا لم ندرس ونعرف علم اقتصاديات التعليم، والكيفية التي يُردُ فيها ما يصرف على التعليم من خلال رأس المال البشري اي عائدات التعليم إن صح المصطلح الذي ينكره التربويون، ويستخدمه الاقتصاديون لحساب نواتج التعلم على الفرد وعلى البلد إقتصادياً واجتماعياً ، لأنهم يعتبرون عملية التعليم والتعلم استثمار برأس المال البشري، والاقتصاد المعرفي هو القيمة المضافة لأي خدمة أو منتج، إضافة للمواد الخام والمدخلات التي هي نتاج العقل البشري المتعلم، ولتقريب ذلك وكمثال، فحبة الدواء التي نشتريها بدينار، لو حسبنا كلفة إنتاجها من مواد وعمالة وتصنيع وغيره لن تتجاوز 10% وأما أل 90% الباقية التي ندفعها فهي ثمن المعرفة والبحث العلمي خلاصة نتاج العقل والمعرفة الإنسانية التي اكتشفتها.
أسوق هذه المقدمة لأضع الحكومة ومجلس النواب أمام واجباتهما، وبكل تجرد يجب أن تضع الحكومة دعم التعليم ماديا من أولى أولويتها، وبالذات الجامعات التي تعاني مديونيات وعجز هائل،حيث أن سداد هذه المديونيات يجب ان تكون اولوية وطنية، وعلى الحكومة أن تصرف بسخاء على التعليم العام والعالي وخاصة التعليم التقني والمهني، ويجب أن يكون ذلك أهم من أي متطلبات أخرى، لأن رفع سوية النظام التعليمي ينعكس على جميع المجالات الأخرى، ولان النتيجة ستكون مضمونة لما ننشده حكومة وشعبا من تقدم اقتصادي واجتماعي، الخطط والاستراتيجيات كتبناها ونعرفها منذ زمن حد الاشباع، ولسنا بحاجة للتنظير من جديد كما صرح احد وزراء التعليم العالي السابقين، العقول والكفاءات الأردنية بنت أوطاناً أخرى، وبنت ما نحن فيه، ولن يعز على بلد مثل الأردن لديه كم هائل من المختصين وأصحاب الشهادات والخبرات في شتى المجالات وحقول المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، أن يجد من ينفذ بإخلاص كل الاستراتيجيات إذا توفرت الإدارات الحصيفة بخلاف الكثير من الإدارات الجامعية القاصرة التي زادت الطين بله… وعملت بعقليات إدارية عقيمة أدت إلى تراجع جامعاتها فوق التراجع..!.
نحن بحاجة ماسة للدعم المادي المباشر للجامعات، لا تطلبوا من الجامعات أن تتقدم ما دام اكبر هم لدى رؤساء الجامعات حاليا جمع رواتب العاملين قبل نهاية كل شهر، لا تطلبوا من رؤساء الجامعات صنع المعجزات ولا تنغروا بفقاعات الإنجاز الوهمية والإعلامية لبعضهم، نحن لسنا بلد صناعي وليس لدينا قاعدة صناعية وتجارية مؤهلة لدعم الجامعات كما في البلاد المتقدمة، وأقصى إنجازات بعض رؤساء الجامعات مذكرات تفاهم تنتهي بالتوقيع والتصوير والخروج للإعلام، ولا ينفذ منها شيء..!
إلى أن نصل لتكوين قاعده صناعية وتكنولوجية وتشاركية فعالة لأن ما هو موجود قاصر ولا يعدو عن ذر للرماد في العيون، نحن بحاجة لدعم مادي حكومي و من القطاع الخاص، في ظل معطيات مفروضة على الجامعات تقيد أعمالها، حيث ان التقتير في الصرف علي العملية التعليمية والعاملين فيها وكذلك بنيتها التحتية له تاثير مباشر على رصانة التعليم وجودته.
رسالتي للحكومة ومجلس النواب أرسلتها مرارا من قبل وسأعيد إرسالها كلما كان ذلك ممكننا، مطلوب دعم مادي سخي للجامعات ودعم سخي مخصص للتعليم التقني والمهني بالتزامن مع وضع خطة تنفيذية واستراتيجيات صحيحة لإخراجه من سباته العميق..! ولا ننسى الإدارات الفاعلة.
أملنا كبير بحكومتنا ورئيسها ووزرائها وهم يعرفون هم التعليم العالي والجامعات، وأملنا بحكومتنا أيضاً أن تدعم الجامعات بكل سخاء، لان الواقع الحالي وتراكم المديونية والعجز المادي التراكمي في ميزانية الجامعات هو نذير بانهيارها والمزيد من تراجعها لا سمح الله، ولا نريد أن نقول أن هنالك من يخطط لهذا… ويسعى لتخصيصها..! لكي لا نسقط في براثن نظرية المؤامرة التي أصبحت مبرراً لكل إخفاقاتنا، نعتقد أن بلدنا ما زال بخير وقادر على التقدم والنهوض بجهود المخلصين، ومن هنا نطلب أن تقوم الحكومة ووزارة التعليم العالي وجميع الجهات، بمسؤولياتها وان تضع هدفها الأول التعليم ثم التعليم ثم التعليم، لأنك إذا أصلحت نظامك التعليمي وطورته فانك تطور كل القطاعات الأخرى وتتقدم على خارطة الأقوياء، وأما الإخفاق وانهيار التعليم وتراجعه فيساوي انهيار الأمة، وهذا ما لا نريد… . حمى الله الأردن.