نيروز الإخبارية : بسمة النسور.
اعتاد الصديق الكاتب والصحفي الأردني الراحل، بدر عبد الحق، على إجابة من يسأله عن عدد أبنائه، وبضحكة كبيرة وبمنتهى الاعتداد والبهجة: عندي بنتين وبنت. ويشهد المقرّبون من هذه الأسرة التي واجهت أحزانا كثيرة مقدار الحب والحنان والرعاية الاستثنائية التي غمر بها بدر الصغيرات الثلاث لسنواتٍ، لم يسمح الزمن، لسوء الطالع، بكثيرٍ منها، كان في أثنائها صديقا قريبا لطيف الحضور خفيف الظل، غير معنيٍّ، بأي حال، بفرض سلطةٍ أو هيبةٍ ذكورية جوفاء على البنات المولعات بحب أبيهن الحنون المرح، سريع البديهة فائق الذكاء، وهنّ الفخورات بمنجزه الإبداعي والصحفي الكبير ومحبة الناس له. احتضن صغيراته، وجاد عليهن بالحب غير المشروط، وأفسح أمامهن المجال للتعبير عن ذواتهن بحريةٍ مطلقةٍ، غمر صغيراته على الدوام بالحب والاحترام، وهن اللواتي تربّين على قيم إنسانية نبيلة، بفضل هذا الأب المثقف الحضاري المتوازن، والمتصالح مع ذاته. وكذلك فعلت زوجته، الكاتبة والفنانة سلامة عبد الحق، الملتقية فكريا وإنسانيا مع زوجها. تربين على قيم الحرية والحق والعدالة والجمال، حظين مع والدهن بزمن قصير مبتور، لكنه كان كثيفا ثريا غامرا، كفيلا بتعزيز شخصياتهن وتمكينها، قبل أن يفتك به مرض لعين، أتى على ذاكرته، فأضاع منها تفصيلاتٍ شتى في وقت مبكر، فحرم الساحة الأردنية من واحد من أهم كتّابها، في القصة والمقالة، وكذا في الحضور الإنساني الطيب النبيل المحب، وجعل الصغيرات، سنوات طوالا، يتيمات مع وقف التنفيذ، كرّسن جل وقتهن للاعتناء بوالدهن المبتلى بالمرض، وتفانيْن، مع الوالدة، في رعايته، كما لا يمكن أن يفعل أي ابن سوف يكون منهمكا بنفسه على أغلب تقدير، كما تفيد شواهد كثيرة، تؤكد، في حالات عديدة، تقاعس الأولاد حين الحاجة إليهم. من هنا، يسود في الموروث الشعبي أن البنت أكثر "حنيةً" على والديها من الولد. ولكل قاعدةٍ اسثناء، إذ لا يخلو الأمر من نماذج لبنات عاقات جاحدات أنانيات، لا يفكرن سوى بأنفسهن، ومن بعدهن فليأت الطوفان. وثمة أولاد يتميزون بالعطف ورقّة القلب والرأفة بالضعيف وإنكار الذات.
احتفل بدر عبد الحق بالأنوثة بوصفها امتيازا ومنحة سماوية تستحق الامتنان، زاول هذا الاعتقاد سلوكا ومنهج حياة، دونما حاجة إلى تنظير أو ادعاء. جرى ذلك في زمنٍ كان ينظر فيه بعين الشفقة والتعاطف إلى "أبو البنات" بوصفه الرجل المنكوب الذي يدعون له، ويبتهلون إلى العلي القدير أن يعوّض عليه بولدٍ يحمل اسمه، ويخلد ذكره في العالمين، ويحمي شرفه. البنتان والبنت اللواتي احتفل بدر، في بيئةٍ ذكوريةٍ معادية للأنوثة متعالية عليها، بقدومهن إلى الحياة أصبحن نماذج مشرّفة تستحق الإعجاب، نساء متميزات ناجحات في المجال المهني. وعلى الصعيد الشخصي، زوجات وأمهات يسهرن على راحة أولادهن وأطفالهن وسعادتهم وأمانهم واستقرارهم. أكملن مسيرتهن في الحياة، وقد حملن إرث والدهن الذي يقيم في قلوبهن وأرواحهن، نقطة انطلاق ثرية نحو حياة من التميّز والإنجاز.
لا نريد أن نردّد مع الراحلة سعاد حسني أن "البنت زي الولد". للمؤنث خصوصية وتفرد، علينا نحن معشر النساء، النظر في هذه الحقيقة العلمية إيجابيا، لأنها تنطوي على الاعتراف بقدرات المرأة الذهنية المتقدّمة، وعقلها الذي يشبه الرادار، من حيث القدرة على الانتباه إلى أدق التفصيلات، وإنجاز أكثر من مهمة في الوقت نفسه. ولا بأس إذا أكملنا مع سندريلا الشاشة العربية: البنات البنات أجمل الكائنات.
المصدر العربي الجديد