هل من الممكن أن يكتبَ الإنسان مقالاً بلا عنوان؟ فهل بالضرورة أن يكون لكل مقال عنوان؟ إنَّ فنَّ الكتابة يتطلب أن يكون هناك عنوان لكل مقال يثير شغف القارئ لقراءة المقال ويعبر حقيقةً عن جوهر الموضوع الذي يتحدث عنه المقال. وفي كثير من الأحيان يضع الكاتب العنوان بعد انتهاء كتابة مقاله خصوصاً إذا كان المقال يحتمل في طياته أكثر من فكرة وأكثر من غاية.
لكن هل ممكن أن نكتب اليوم مقالاً بلا عنوان؟ برأيي المتواضع نعم يجوز، لكي ما يُترك للقارئ أن يضعَ العنوان المناسب الذي إستوحاه من المعنى المقصود الذي يريد الكاتب أن يعبّر عنه. فأحياناً كثيرة تجول في بال الكاتب أفكاراً وخواطرَ كثيرة يريد إيصالها للمتلقي ويترك للقارئ أن يخطَّ عنواناً مناسباً لما فهمه من تلك الأفكار والخواطر. فأحياناً كثيرة ينسال حبر القلم ليخّط أفكاراً عميقة متفجرة من قلب الكاتب لا يمكن التعبير عنها إلا بواسطة الكتابة النابضة بخلجات قلبه وأفكاره ومشاعره وأحاسيسه، فتتفجر من الداخل كما يتفجر البركان الهامد الذي يَخرج منه مكنونات كثيرة من باطن الأرض إلى العراء.
لنتعلم فنّ الكتابة، فحروفها أكثر من مجرد كلمات بل تحمل معانٍ وأفكار ومشاعر وأحاسيس يحتاج عالمنا أن يتلمسها لأنَّ الحاجة البشرية هي واحدة عند جميع بني البشر، فأنين الشعوب هو واحد وكذلك فرحها. ومن سوء الطالع أنه لا يقدر الكثيرون أن يفيدوا بني البشر بمثل تلك الأفكار والمشاعر والجوانب الإنسانية التي تُعلّي من النفس البشرية وتشعِرُ بأنيها وبإشتياقها إلى الفرح وإلى الحب وإلى الحياة وإلى الكرامة الإنسانية.
لذلك فإننا نثمّن كل ما يَنطق به القلم من ثنايا القلب ومن تصورات وتخيلات وتجليات العقل التي تصّب في صالح الإنسانية وخدمة للبشرية، فنزدادَ وعياً وإدراكاً وثقافةً من خلال أدبِ الشعوب وخبراتهم وتجاربهم، فليس العالم كله على شاكلة واحدة، بل كلُّ مجتمع وكل ثقافة وكل حالة تقدرُ أن تقدم للبشرية جمعاء ما يوحّد القلوب ويجمعها على تجاوز الآلام والتحديات والصعوبات والظلم والقهر وتساهم في زرع الفرح والبسمة والأمل تحقيقاً لأعلى مُثُلِ الإنسانية التي نسعى لأجلها.