لطالما سمعت جدي يردد"مداح حاله مافيه خير" فما لك وعليك من خير وفعل يستحق تخليده في الذاكرة تقوله عنك الناس، تشهد به رجال المضافات القريبة والبعيدة عنك، وأحاديث الأمهات الحضنات أطفالهن على هامش تجمعاتهن العفوية لسرد معاناة ما.
متعبة الكتابة بالنسبة لي عندما أقرر ذكر ابن عمومة، خشية التبرجز بالأسماء والتشاكل مع الجُمل التي امقتها في كل مناسبة"بكم تزهو المناصب" ولكن يرغمني حضور الطبيب الذي تزهو به أماكن الحب وفيض الذاكرة، منذ جست أنامله أول جسد، وحتى اللحظة المستمرة من العطاء، بعيدا عن ضوضاء الشهرة، وقرع دفوف "المن والهت" فوق رؤوس الضعفاء الذين ترهق جيوبهم أجرة الطريق وثمن عبوة الدواء وكيلو خبز ذاك النهار.
نعرف ملامحة الهادئة، حديثه المتأني، وكأنه يقيس حرارة الكلمات، ويزن حروف التسكين لسيدة هرعت إليه تحمل مولودها من أطراف الصحراء، أخبرتهم في المستشفى بأنها أخت الدكتور متروك، فأقر بالأخوة النازلة على أمل الرجاء، وعمق الإنسانية بعيدا عن "لاحة الدم" وعن تشابه الأسماء في خانة الأوراق الثبوتية.
هكذا قضى زهرة عمله في الخدمات الطبية، لا يكل ولا يضجر من شكوى، يستمع لنبض حياة البسطاء دون أن يقطع عليهم القول، فالعمل لديه لا يرتبط إطلاقا بعداد الساعة وتراكم الكشفيات. هكذا هو، كان ومازال، طبيب الأطفال مذ تورد عليه وعينا في البادية، يفتح قلبه قبل بوابة عيادته البطحاء،نلوذ بدفئها وسكينتها التي ماغادرتها يوما رائحة قيصوم كروم صبحا وحنين أجراس الغنم في أوبة المساء، حيث تعرف الشمس لون اهلها ومعنى ملامسة يد الحكيم... الحكيم الأكبر من بعض كلمات ابعثرها عنه في زحمة المديح القاصر عن حقه بالفعل... وكما قلت أصعب الكلام عندما يكون عمن يخصك، عمن يكون عند الكتابة عنه لمفردة ابن العم خشية وحياء... لست بوارد سرد سيرته العلمية والعملية، الطبيب الذي مازال لا يعرف "التعطيل".. يشرع مضافته نهاية الأسبوع في بيته القروي لمراجعيه ومرضاه ويعالجهم بالمجان، يطبطب تعبهم ويغرس فيهم الأمل بالشفاء، لسه الدنيا بخير.. ولسه البادية التي أنجبت متروك حنيان العون السردية، حكيم - من لا حولا ولاقوة لهم إلا بالله- ولادة، تمدنا بمن يستحقون ذكر سيرهم الحاضرة عنوة عن السكوت... نعمت يداك. أيها القدوة، ومتعك الله بالصحة والعافية والمزيد من العطاء.