يبدو هذه المرة أنّ العنوانَ غريبٌ نوعاً ما، فهل من أحد يموت وهو واقف؟ طبعاً هذا مصطلح رمزي ويشير إلى ضرورة أن لا ينهي الإنسان نفسه بنفسه من زهق الجلوس ومضيعة الوقت وعدم الإنتاج الفكري أو المعرفي أو التطوعي في خدمة المجتمع بشتى السبل والوسائل.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ملاحظتي لعدد كبير لا بأس به من أبناء مجتمعنا الأردني المتقاعدين بسن مبكر أو حتى المتقاعدين من غير إستثمار وقتهم الثمين في أمور تخدم المجتمع والوطن. فمن دعَكَتهُ الحياة في مجالات الحياة المختلفة وفي كل القطاعات له خبرته وله رأي مفيد قد يفيد المجتمع به، فالخبرة بعد الدراسة والتخرج لا تقل أهميتها على الدراسة نفسها، لا بل أحياناً كثيرة تشكل عاملاً أساسياً في إيجاد المرء فرصة عمل مناسبة.
فالخبرة مدرسةٌ متراكمةٌ من العلم والمعرفة والواقع العَمَلي، فنحن لا نتعلم ونتثقف ليذهب علمُنا هباءً منثوراً في الهواء بل ليشتبك مع واقع الحياة ويعترك معها ليخرج بأفضل الحلول وأفضل النتائج لتحسين واقع الحال وتطويره. لذلك فقبل عمل أي مشروع يتم دراسة جدواه الإقتصادية من واقع الحال، وهذا مفهوم قريب لمعنى الخبرة المتراكمة التي إكتسبها المرء من واقع الحال جراء خوضه في مجال من مجالات الحياة المتعددة سياسياً واقتصاديا واجتماعياً ودينياً وفنياً ومهنياً. والخطأ الجسيم الذي قد يُرتكب عن قصد أو عن غير قصد هو عدم إستثمار هذه الخبرات لتشكل مرجعاً استشارياً في المؤسسات والهيئات ومجالس الإدارت وغيرها.
في الدول المتقدمة من يتقاعد عملياً يبدأ حياة من نوع جديد، ربما الجانب الأكثر منها هو الإستمتاع ببقية العمر مع العائلة والأولاد والأحفاد، ولكن جانب هام من الحياة هو تكريس وقت للتطوع في خدمات مجتمعية جليلية، وفي كثير من الأحيان يتم إدراجهم كمستشارين ويشكلون مرجع هام في القضايا التي يلمّون بها ويختزنون منها الخبرات الكثيرة التي تساعد الجيل الجديد في تجسير الفجوة بين الأجيال المتعاقبة.
فالسؤال، ما دور المتقاعدين في مجتمعنا الأردني الكريم، هل يموتون جالسين أم وهم واقفين؟ فكلمة متقاعد (مُتْ.. قَاعِد) يمكن النظر إليها من جانب " لا تمت وأنت قاعداً"، فالحياة ليست جامدة ثابتة بل متحركة، لذلك فالأفضل أن نسعى لنكمل مشوار العمر ونحن واقفين أي فاعلين وفعّالين وواضعين خبراتنا في خدمة الصالح العالم.
فالتقاعد هو عملي فترة تفرغ لمزيد من العطاء والإبداع والإتيان بما يخدمة المجتمع ويسهم في تطوره. فكيف نستمثر في أمثال هؤلاء المتقاعدين بدلاً من ضياع خبرتهم وهدرها من غير فائدة، وقد لا يكلّفنا ذلك شيئاً؟