بالحقيقة أجهدت وأستنزفت الدولة الأردنية التي صمدت سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا وسط إقليم ملتهب عسكريا وسياسيا، وصمدت أمام الأزمة الإقتصادية العالمية ٢٠٠٨، وصمدت كذلك أمام إفرازات الربيع العربي ٢٠١١ وأمام الحركات الإرهابية وموجات اللجوء المتتالية الناتجة عنه، والتي ضغطت على الخدمات والبنى التحتية، وقبل عقدين عانت المملكة تبعات الحصار الإقتصادي الذي فرض على العراق وجزئيا علينا... كل ذلك لنتحدث عن ثلاثة عقود قاسية.
المملكة الأردنية الهاشمية حاولت التعافي أمام كل صدمة، وإستمرت الحكومات بتقديم الخدمات والرعاية والبنى التحتية، ولكن مظاهر الفقر والبطالة بدأت بالتنامي، مقابل نمو المديونية الخارجية لتقارب الناتج المحلي الإجمالي، وهنالك ديون داخلية على الحكومة للضمان الإجتماعي ومصفاة البترول وشركة الكهرباء.
الإدارة المالية والنقدية سارتا بشكل جيد لخدمة الديون والحفاظ على قوة الدينار، إضافة لصرف كلف النفقات الجارية والرواتب في مواعيدها، وتوفير العملة الصعبة بيسر ودون تقنين لخدمة قطاعات التجارة والإستيراد وخدمة الطلب الوطني عليها.
بعد مضي عامين قاسيين بفعل وباء كورونا وإغلاقاته وضغطه على كل القطاعات والجمود الإقتصادي الذي رافقه وطنيا ودوليا، بدأت ملامح صعوبة الوضع المالي في المملكة بالظهور، وخاصة أمام شح تدفق الإيرادات والتي ترافق وتزامن جمود قطاعات التجارة والصناعة والسياحة والخدمات.
حسب أرقام إحتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي وقيمة الودائع في البنوك الأردنية فالوضع مريح نوعا ما، ولكن وزارة المالية وأمام نمو النفقات الجارية والرأسمالية وخدمة الديون وفوائدها، مقابل تقلص تدفق الإيرادات من مصادرها المختلفة تجد أن الوضع صعب.
وطنيا فمتانة القطاع الخاص ودورة السيولة والكاش في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات والأعمال والسياحة والزراعة والنقل وغيرها، كلها تشير إلى وضع طبيعي وإعتيادي.
يبقى التخوف فقط عند الموازنة العامة والوصول إلى نفقات حكومية تفوق الإيرادات، وعدم تمكن الحكومة من الإقتراض من مصادر خارجية لأسباب تتعلق بتصنيفنا الإئتماني، أو صعوبة الإقتراض داخليا لعدم الرغبة بزيادة الصغط على السيولة والمساس بسلامة المؤسسات الداخلية الدائنة.
ماذا نريد؟
إضافة لتحقيق فرص العمل وتحسين دخل المواطن والرقي بجودة وشمولية الخدمات والبنى التحتية، فنريد سياسة مالية ونقدية متزنة تحقق للعقود القادمة رؤية الإعتماد على الذات من ناحية، وعدم الإنزلاق إلى حالة الإفلاس من ناحية أخرى.
كيف نحقق ذلك؟
نقدم ثلاثة سيناريوهات يتطلب الأمر السير بها بشكل متوازي ومتزامن:
سيناريو 1
- مطلوب جهود دبلوماسية أردنية لمحاولة إقناع الدول الدائنة بمبادلة جزء من ديونها بمشاريع إقتصادية إستثمارية على أرضنا في مجال الإقتصاد الأخضر لإستدامة الكوكب، حيث أننا إحدى دول العالم التي تعاني تبعات التغير المناخي الناتج عن ظاهرة الدفيئة التي تنامت بسبب الدول الصناعية، وهي ذاتها الدول الدائنة.
- مطلوب جهود دبلوماسية أردنية مكثفة يتشارك فيها مجلسي النواب والأعيان ووزارتي الخارجية والتخطيط بتغطية وإسناد من مكتب جلالة الملك، بهدف إبراز تحدياتنا المالية أمام الدول الدائنة والناتجة عن إستقبال ٢ مليون لاجيء بعد الربيع العربي، متحملين ذلك وتبعاته عن العالم والإقليم وعن أوروبا خاصة.،،، ويمكن قراءة المزيد حول هذا الملف (الكلف المالية التي يدفعها الأردن بسبب اللجوء) عبر الرابط التالي
- الأردن يستهلك بمليارات الدنانير مستوردات من الخارج، وهو قادر على تصنيعها وإنتاجها وتصديرها
- ودائع أردنية جامدة في البنوك بعشرات المليارات
- مغتربون عرب وأردنيون ينتظرون ضخ أموالهم (ولكن يجب أن نبدأ بشيء قبلهم)
- الإقتصاد التعاوني (صندوق الإستثمار الوطني والمغتربين) عماد العملية، نادينا به قبل الجميع "مشروع الشعب للإنتاج"
- إسناد الصناديق بمساهمات حكومية بتمليك الصناديق أراضي مشاريع المدينة الجديدة شرق عمان (والتي طابقت نموذجنا مدينة المغتربين الذكية، والذي سبقها)، ومشاريع وادي عربة، وحق تطوير ومبيع الأراضي والفرص الإستثمارية لصالح الصندوق، وبمعايير عادلة/ يتعلق بالإرادة السياسية للبدء
- حاضنات الإبتكار المتخصصة والقرى العلمية الذكية ذاتية التشغيل في الجامعات لإسناد النهضة بالإبتكار والتطوير
- دعم صناعاتنا وتمكينها بالطاقة المتجددة والمياه المجانية + تطوير المنتج بالبحث العلمي
- رفع الجمارك تدريجيا على كل السلع المستوردة (من خارج إتفاقيات التبادل التجاري الدولية) والتي يوجد لها بدائل وطنية، وصولا لوقف إستيرادها مقابل تحسين جودة ونوعية منتجاتنا بالبحث العلمي/ يتعلق بالإرادة السياسية للبدء
- ضمان أمن الطاقة والمياه بإستراتيجيات زمنية تستديم التنمية والإنتاج ورفاه السكان + تطبيق معايير الإقتصاد الأخضر لضمان الإستدامة وصحة السكان + التوجه لمخططات المدن الذكية
- مشروع نهضوي ملكي وطني شعبي جمعي يوحد الكل نحو العمل والانتاج
- محافظات منتجة بمحركات تنموية حسب ميزة كل محافظة، بعد بحث خارطة طريق تنمية كل محافظة وفرصها الإستثمارية، ونقترح المحركات التنموية التالية للمحافظات:
عمان
بدء المدينة الذكية شرق عمان
إربد
مدينة لتطوير صناعات النانوتكنولوجي والذكاء الإصطناعي
العقبة
تطوير شمال العقبة/مدن صناعية إنتاجية، سياحية، إسكانية + طاقة متجددة ومياه محلاة
معان
مطار تنموي سياحي + ميناء بري
المفرق
قاعدة لوجستية فنية لإعادة إعمار سوريا والعراق
الكرك والطفيلة
مدن صناعات الأمن الغذائي
مادبا
مشروع مدينة التاريخ + بوابة الحج المسيحي
الزرقاء
تمكين الصناعات القائمة حاليا بالطاقة المجانية والتدريب ومجانية معالجة المياه العادمة
البلقاء
مدينة صناعة البرمجيات وتكنولوجيا الإتصالات
جرش وعجلون
صناعات الإقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة
البادية
مشاريع وقواعد الأمن الغذائي الزراعي وإنتاج الثروة الحيوانية
ويكون التمويل للمشاريع أعلاه من الصناديق الإستثمارية بعد أن تسندها الحكومة حسبما ورد سابقا...
- ينتج عن ذلك نهضة عمرانية إستثمارية وطنية شاملة تنعش الأسواق والسيولة، وتستقطب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، وينتج عنها مشاريع رأسمالية وخدمية وصناعية وزراعية وتجارية وأعمال ومشاريع تكنولوجيا رقمية معلوماتية فكرية إبتكارية، تشغل الجميع... وترتقي بالوطن وتعزز أمنه القومي، وتحقق ورفاه المواطن، وتزيد من الرضا العام بعكس حالة السوداوية والتشاؤم التي نعيشها اليوم...
سيناريو 3
- تكليف لجنة وطنية لدراسة أوضاع صناعاتنا وإسنادها لتحسين إنتاجيتها بالجودة وخفض كلف الإنتاج، التدريب ونقل الخبرات لها، وتمكينها بمصادر الطاقة المتجددة وخفض كلف المياه، وحلول المياه الصناعية العادمة... وإعادة الصناعات والمصانع المتعثرة للإنتاج، مع خطة لخفض رسوم وجمارك مدخلات الإنتاج، وخفض الضرائب بالتدريج، سعيا لتحقيق الإنتاجية والإعتماد على الذات وفرص العمل، وإنعاش إقتصادنا...
يوازيها بالتزامن تكليف لجنة وطنية لدراسة السلع المستوردة من خارج إتفاقيات التبادل التجاري، والتي لها مثيل أو بدائل محلية، بهدف وضع آلية للحد من إستيرادها وبالتدريج،،،
- تكليف لجنة وطنية لإسناد قطاعات الإنتاج الزراعي والحيواني، وتنظيم عملية الإنتاج والتسويق، بالتدريب ونقل الخبرات والتحديث، ودعم المزارع ومربي المواشي،،، سعيا لتحقيق الأمن الغذائي الوطني + فرص العمل وإنعاش إقتصادنا
- إيجاد قرى بحثية ذاتية التشغيل بتخصصات مختلفة في الجامعات، مع تبني الإبتكار ومشاريع المستقبل،،، فإبتكار نوعي واحد قد يضاعف دخل الدولة الإجمالي للضعفين،،،
- إطلاق الإقتصاد التعاوني بصندوق الإستثمار الوطني الشعبي وصندوق المغتربين، وفتح باب المساهمات، وتمليك الصندوق أراضي ومشاريع المدينة الجديدة شرق عمان ومشاريع وأراضي وادي عربة، كحصة ومساهمة الحكومة في الصندوق،،، ومن عوائد مساهمات الصندوقين يمكن تمويل تطوير البنى التحتية في المدينة الجديدة شرق عمان، وتبني وتمويل عدة مشاريع إنتاجية نوعية لكل لواء في كل محافظة، مما ورد على الخارطة الإستثمارية للمملكة،،، فإنها الطريق نحو النهضة المنشودة
- بث فكر المشروع الملكي النهضوي الوطني الشامل الذي يحقق التنمية المنشودة وفرص العمل والرفاه وإرتفاع الدخل، كما ويحقق إنعاش إقتصادنا وأسواقنا، ويمكننا من تعزيز أمن المياه والطاقة وأمننا الغذائي...
- تحويل الشارع والعقل الجمعي والرأي العام من حالة التشاؤم والتشتت والتبعثر والسوداوية وفقدان الثقة، إلى حالة التفاؤل والإيجابية...