الدعوة لإجراء تحقيق لمعرفة ملابسات استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، هي في جوهرها محاولة للتنصل من المسؤولية، ومحاولة لتضييع وتمييع وقائع وملابسات الاغتيال في دهاليز تحقيقات واتهامات لا تصل إلى أي نتيجة.
اغتيال شيرين أبو عاقلة لن يكون حدثا عابرا، لا بسبب القيمة الأدبية والمهنية التي تمثلها هذه الصحفية التي عرفها الناس منذ عقود كصحفية نشطة، ومواكبة للانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، ولكن لأن مقتلها سيكون ولا شك، محطة مهمة من محطات الصراع مع الاحتلال، وهي في هذا، حالها حال العديد من المناسبات والحوادث، التي أعطت لمقاومة الاحتلال زخما وطاقة جديدين لمواصلة النضال من أجل التحرير واستعادة الحقوق الوطنية والإنسانية.
مقتل شيرين أبو عاقلة، أربك الاحتلال، فمن محاولة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، احتواء الصدمة من خلال الدعوة لإجراء تحقيق في الحادث، ومرورا بعرض القيام بتحقيق مشترك مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ثم ادعاء أفيخاي أدرعي الناطق بلسان جيش الاحتلال أن الصحفية الفلسطينية هي ضحية لرصاص فلسطيني طائش، تحاول السلطات الإسرائيلية التنصل من المسؤولية، أو شراء الوقت اللازم لاحتواء آثار الحادث ولتجنب أي شكل من أشكال الإدانة الدولية لقوات الاحتلال.
شيرين أبو عاقلة، التي باتت أيقونة الصحافة والإعلام الفلسطيني، ليست الضحية الأولى التي تقدمها مهنة الصحافة، على مذبح البحث عن الحقيقة ومتابعة وملاحقة الأحداث الكاشفة لممارسات الاحتلال في الأراضي المحتلة.. فقبلها كان هناك العشرات من الصحفيين الفلسطينيين والأجانب الذين أصيبوا وهم يغطون المواجهات بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال.
ورغم كل الجهود التي كانت تبذلها السلطات الإسرائيلية، من أجل التغطية على ممارساتها في الأراضي المحتلة، إلا أن التأثير المتنامي الذي أحدثته الطواقم الصحفية والإعلامية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرأي العام العربي والدولي، وضع إسرائيل في موقف حرج، على الساحتين الإعلامية الفلسطينية والدولية، وأفشل محاولاتها المستمرة لهضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتشويه نضاله من أجل التخلص من الاحتلال واستعادة حقوقه الثابتة بموجب القرارات الدولية التي أدانت الاحتلال ودعت إلى انسحابه إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وبعيدا عن الأثر المباشر الذي تتركه جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، فإن غياب هذا الوجه الإعلامي البارز والذي كانت له مساهمات كبيرة في فضح الاحتلال ومواكبة نضال الفلسطينيين من أجل استعادة حقوقهم المشروعة، سيجدد التأكيد أن الحسم العسكري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يكون ممكنا، حتى لو كان ميزان القوة يميل لصالح الآلة الحربية الإسرائيلية.
فآليات المواجهة باتت مختلفة وهناك تفهم دولي متزايد للحقوق الفلسطينية، بل إن هذا التفهم وصل شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي الذي أدرك متأخرا أن كلفة الاحتلال ستكون باهظة، وأن آفاق هذا الاحتلال هي آفاق مظلمة، وأن إسرائيل نفسها ستدفع _عاجلا أم آجلا_ ثمنا لاحتلالها، وأن الصعوبات التي ستواجهها مع استمرار الاحتلال ستجبرها على دفع أثمان أكبر من تلك التي يطالب بها المجتمع الدولي حاليا.
مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة يعيد القضية الفلسطينية لمربعها الأول، فما يحدث في الضفة الغربية بشكل عام ومخيم جنين بالتحديد، يؤكد أن جذوة المقاومة للاحتلال لا تزال فاعلة ومتقدة، وقادرة على التذكير بالحاجة إلى مقاربة جادة وعادلة لإنهاء الاحتلال، في إطار تنفيذ القرارات الدولية الصادرة بهذا الخصوص، وفي إطار الشرعية الدولية التي لا يمكن لأحد تجاوزها مهما طال الزمن، ومهما كثر عدد الذين يسقطون في الميدان ضحايا للمواجهات مع الاحتلال.