لم أكن حينها عارفة بالطبيعة الحميرية، فلم نكن بعد نمتلك حمارا، هذا الحيوان الذي كان له مساهمته الهامة في قضاء الحوائج، الحشائش والقش في موسم الحصاد و مرافقة الماشية وحمل مؤنة الراعي، لم يكن لدينا ماشية وكما كانت غلة أرضنا تحتاج لإستخدام سيارة لتوفير الجهد والوقت أيضا.
ذات مرة وفي قيظ الظهيرة، ورغم أن التوقيت غير مناسب، كنت واقراني نضع اللمسات الأخيرة على بناء خيمة صغيرة، كي نجلس في ظلها، على مقربة من مسرحنا ذاك، كان والد صديقنا قد ربط حماره بعد عناء يومه وذهب لقيلولته في البيت.
في أوج جديتنا في عملنا، بدأ الحمار يدور في مكانه ينهق وكأنه مسه طائف، جاء من بعيد صوت نهيق آخر، لابد أن هذا الحمار فهم لغة الحمار الآخر، فراح يرد عليه بما تواضعت عليه طريقتهم الحميرية.
ذهبنا إلى مكانه لنوثق رباطه أكثر خشية هروبه ، فشلنا في السيطرة على هيجانه، يصقل في جميع الإتجاهات، ابتعدنا عنه، فمن المحتمل أن يعض أحدنا، ازداد دورانه حول نفسه، انقطع الحبل من الوتد، ركض ملبيا النهيق الآتي من بعيد، . شعرنا بالإحباط لما حدث بخيمتنا التي هدمها في طريقه، راحت خيوطنا وتكسرت أعواد بقدميه ..
إنطلقنا نساعد صديقنا للحاق بالحمار وإعادته قبل أن يمضي ويضيع، اكتشفنا أنه كان يلبي نداء الحب بإسلوب عالم الحمير، دمر كل الأفكار الأخرى الجميلة في سبيل غايته وفكرته ..
يقول شوبنهاور:" كما تعرف الأسد من ناجذيه تعرف الحمار من أذنيه"... تلفت وتمعن وسترى وتعرف الطبائع الحميرية في شتى المرابط والمرابض وحتى السائبة منها في الميادين والشؤون المحلية والدولية...!!!