بقلم : الدكتور محمد سلمان المعايعة الأزايدة /أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية.
يطيبُ الحديث عن المناسبات الوطنية تعظيما لمكانتها وقدسيتها في نفوسنا ، ومن هذة المناسبات التي تتفتح الشهية للحديث والأطلالة على معانيها ودلالاتها هو ذكرى عيد الاستقلال، الذي هو من أهم المناسبات في تاريخ الأردن وذلك بالتخلص من انتداب الحكومة البريطانية عام ١٩٤٦.فمآ أن أشرقت شمس الهاشميين في عمان فكانت البدايه في نشأة الدولة الأردنية والسعي نحو إقامة الدولة المستقلة في نهجها وقراراتها وبسط نفوذها على أراضيها.
فالاستقلال في معناه هو التحرر من أي سلطة خارجية، بأي وسيلة كانت؛ فهو شهادة الميلاد الجديدة للدولة لكي تمتلك الإرادة السياسيّة والقرار السيادي ذات حرية سقفها السماء، محرره من أي قيود تفرض عليها من الخارج وليس لها أي تبعيه سياسية أو اقتصادية أو ثقافية لأي دولة كانت..دولة محررة من الاستعمار أو الانتداب، تملك إرادتها وسيادتها على أراضيها وشعبها وممتلاكاتها وقراراتها.. لذلك فأن من مقومات الاستقلال هو التخلص من التبعية السياسية والإقتصادية والثقافية وخاصة عندما نحقق الكتفاء الذاتي والأمن الغذائي لشعبنا عندها نكون لسنا بحاجة إلى أي طرف وخاصة في فترات الأزمات والنزاعات والأضطرابات الدولية والإقليمية لأن الدولة التي لا تملك عناصر قوة ذاتية داخلية فانها في لحظات القلق والاضطراب تتحول إلى عبء على الحلفاء وتقل أهميتها ووزنها في ميزان الأهمية الدولية .وهذا ما تحقق بفضل جهود ملول بني هاشم الحافلة بالإنجازات الحضارية العظيمة فكان أول هذه الإنجازات الحصول على الاستقلال الذي يعتبر شهادة ميلاد قانونية لدوله جديده معترف بها دولياً ذات سيادة ودستور يحكم تشريعاتها ، فهذا الطموح جعل من الأردن دولة ذات سيادة قانونية وتاريخية وواحة الأمن والأمان والاستقرار في الإقليم والعالم وذات وزن عظيم في الساحة الدولية وعلى رأس طاولة إتخاذ القرارات فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية.
فالاستقلال ليس كلمات تقال وتحكى ، انما هي افعال تصان بها الاوطان ليكون لها مكان بين الدول والأمم ذات وزن ومكانته على الخارطة الدولية والإقليمية .. والاستقلال ليس مناسبة ندرسها في التاريخ ونحكيها للأطفال لكي يناموا بل هي أحداث تاريخية مشرفه قام بها أبطال نحكيها الي الرجال لكي يستيقظوا ويقتدوا بأمجاد الأبطال الذي صنعوا من الأشياء والأحداث إرثاً حضارياً وثقافياً وأخلاقياً يحمل اسمهم وموشح بالعلم الأردني..
ويمثل الاستقلال جوهر الانجازات الوطنية عبر مسيرة الدولة الأردنية، فقد شهدنا كثيرا من المنجزات والمنعطفات التاريخية البارزة خلال مسيرة البناء والإصلاح لهذه الدولة الفتية، ولعل من المنجزات التي يُشار إليها بالبنان في مئوية الدولة الأردنية الأولى وكانت من العلامات والمنجزات الحضارية والسياسية في تاريخ الأردن هو تحقيق الاستقلال عنوان للهوية والكرامة الأردنية صنعها الهاشميين الذين ضحوا بدمائهم لبناء الأردن الحديث، دوله عصرية متكاملة الأركان في هيكليتها وفي تشريعاتها وانظمتها ومكانتها الدولية والإقليمية المرموقة على الخارطة الدولية بانجازاتها الحضارية العظيمة...
إنّ الاستقلال أكبر من مناسبة نحتفل بها كل عام، فهو استحضار للماضي بأمجاده وتاريخه المشرِّف، ووقوفٌ على الحاضر المليء بالإنجازات التي نفخر بها، رغم عِظَم التحدّيات.
ويعتبر استقلال الدولة واحدًا من الشروط الضرورية للأعتراف بشرعيتها، بل هو شرط في تعريف الدولة، إذ يُعرفها بعضُ رجال القانون الدولي بأنها «وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة إجتماعية لها حق ممارسة سلطة قانونية معينة على أمة مستقرة فوق إقليم محدد». وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المنفردة، وعن طريق استخدام القوة المادية التي تحفظ هيبة الوطن من الأخطار والتّهديدات الخارجية والداخلية التي تواجهه وهذا ما تحقق ببناء جيش عربي أردني مؤهل ومدرب ذو كفاءة عالية القدر والمستوى في الميادين العسكرية والأمنية، ومعركة الكرامة الخالدة شاهداً على بطولات هؤلاء الفرسان الذين حملوا الوطن بقلوبهم نسورا في سمائه وأسود على حدوده. فالجيش هو حامي الاستقلال وحافظ الدستور لتبقىٰ شمس الوطن مشرقة...
للاستقلال معانٍ ودروسٍ وعبرٍ تدعونا لبذل المزيد من الجهد والعطاء والوفاء والعهد، وتجديد البيعة والحفاظ على معناها ومبتغاها ليبقى الوطن أنموذجاً يحتدى به بين دول العالم . فالحديث عن ذكرى عيد الاستقلال مناسبة حاضرة في وجدان الأردنيين، وتحكي قصة وطن بُني بإرادة وعزم القيادة الهاشمية، والشعب الأردني يحتفل بها مستذكرا ما قدمه الرعيل الأول من تضحيات وعطاء، فكانوا هؤلا الرجال هم الروافع والروافد التي قام عليها هذا البنيان الذي يستمد قوته من قوة شعبه وجيشه وقيادته الهاشمية الحكيمة.
لذلك فأن استقلال أي دولة يقتضي تحررها من كل أشكال الضغط والإكراه والتحكم الداخلي والخارجي، وهذا التحرر يستلزم امتلاك الدولة عنصر القوة الكافية لفرض سلطتها وإنفاذ قراراتها ومواقفها, لأن المجال السياسي الدولي وإن كان يقوم على التعايش والتعاون والتشارك في مصالح معينة، فإنه يقوم أيضًا على التنافس والصراع والاختلاف والتفاوت في المصالح وموازين القوى، وهذا يتطلّب من كل دولة امتلاك القوة اللازمة والمناسبة لممارسة الاستقلال الفعلي، وأفضل قوة لدولة هو تحالفها مع شعبها من خلال بناء النسيج الاجتماعي القوى المتماسك الذي يشكل مصدات ضد أي اختراقات لهذا النسيج الاجتماعي القائم على ثوابت دينية واخلاقية وفكرية وإيديولوجية ثابته ، وتذويب الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع وزرع قيم الولاء والانتماء لتراب الوطن وقيادته فهذه الجوامع هي التي تجمعنا على حب الوطن والدفاع عنه مهما كانت الظروف والمنغصات الحياتية..
واليوم يستذكر الأردنيون الكثير من المحطات والتحديات التي استطاع الأردن فيها تحقيق الانجازات والتقدم للأمام
استراتيجية الدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم أعز الله ملكة تقوم على مبدأ تعظيم المكاسب ومواجهة التحديات دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الحلفاء والأصدقاء وحتى الأشقاء..صحيح أن الأردن خاض نضالا سياسيا من أجل الاستقلال اكثر من حروب الاستقلال التقليدية، ومع هذا بقي طوال خلال هذه الفترة يخوض هذا النضال السياسي دون توقف حفاظا على الاستقلال وفي مواجهة مشاريع الالحاق والتصفية وإعادة تشكيل المنطقة..
معركة الاستقلال الجديدة ليست مقتصرة على مصادر التهديد الخارجية وما يرتبط بها من مشاريع وتصفية والحاق ، بل ايضا مرتبطة بشكل اساسي باستكمال مسار بناء الدولة الأردنية على حقائق الهوية والجغرافيا والتاريخ .
ويأتي هذا العيد متزامناً مع احتفالات المملكة بالثورة العربية الكبرى ، حيث المسيرة متواصلة بالبناء والعطاء والإصرار على الإنجاز من أبناء الوطن مقدمين فيه الأردن أنموذجا الدولة الحضارية التي تأخذ قوتها من تكاتف وتلاحم وتعاضد شعبها, بالإضافة لما حملته الثورة العربية الكبرى من ثوابت وطنية ومبادئ وقيم, يلتف حولها جميع الأردنيين.
أما من حيث ارتباط المناسبة بالمنجزات فحدّث ولا حرج، وقد كتب التاريخ وسيواصل الكتابة للكثير من الانجازات التي حققها الأردن بقيادته الهاشمية المظفرة على أيدي ابنائه وبناته على مر العصور والأزمان..هذه الإنجازات الحضارية التي تنقلع لها الرقاب لجمالها وقوة جاذبيتها الإنسانية نرفع لها القبعات إحتراماً وتقديرا...
تمر بنا المناسبة الغالية ونحن أحوج ما نكون فيه الى مراجعة شاملة لمسيرة الانجاز التي تحققت.. والبناء على ما أنجز.. والدعوة الى مؤتمر وطني نقيّم من خلاله كل تجربتنا الثرية.. في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية.. وفي كل القطاعات..ولم يكن ممكنا أن يتحقق هذا النهج في الإنجازات الكبيرة العملاقة والتحولات الجذرية في جميع مجالات التقدم العمراني والصحي والثقافي والاجتماعي والتغير في ملامح هذه الأرض الطيبة لولا رغبة القائد في عصرنة هذه الدولة في اتجاه التطوير والتحديث لتكوين صورة مشرقة للدولة التي أصبحت نموذجاً في النمو والتطور والنهضة والتنمية والحداثة لمواكبة موجات التطور والنهوض في العالم.
نعم ، نهدف من وراء ذلك الحديث عن معاني الاستقلال بأن نُعرف الاجيال المعاصرة والقادمة معنى الاستقلال وطبيعة التضحيات التي بذلت من أجله لإقامة الدولة العصريه التي كانت بحجم الطموح العربي، بقيادة عربية هاشمية سعى لتشكيلها الملك عبدالله الأول؛ وحسبي بأن الذي أنقذ الدولة الأردنية خلال مئة عام هي حنكة القيادة الهاشمية وبراعتها، ووعي الشعب الأردني، ويقينهم بأن الهاشميين هم صمام الأمان، وسفينة الإنقاذ، ومظلة واقيه وحاميه لهذا المولود الشرعي متعدد الشرعيات الدينية والتاريخة والقانونية .
فالنهضة والتنمية بحاجة إلى مبشرين يبشروا بها من القادة الذين لديهم القدرة القيادية ورياض الدراية السياسية الفذة لإدارة الدول وخاصة التي تولد في ظروف ولادة صعبة لكنها تنهض بفضل حكمة وسياسة فرسانها وقادتها الهاشميون لأنهم ورثوا إرثا سياسياً، ودينيا وتاريخا وقاعدة شعبية عريضة من أحرار العرب ، وهي من أهم أدوات النجاح لأي قائد ، فتحققت لهم مفاتيح الزعامة السياسية والقياديه ، وهكذا سطر التاريخ السياسي في سجلاته زعامات تاريخية وأخرى سياسية غيرت مجرى التاريخ الإنساني فكان الهاشميين سادة هذه الزعامات وقادة مجالسها . هذه الزعامات السياسية من ملوك بني هاشم أرست لأوطانها معالم منيرة، وكانت تشكل إجابات لحاجات تلك الشعوب... وهذة القيادة الفذة هي التي شكلت عنواناً رئيسياً للإنجازات التي تعد إرث حضاري وهوية تعريفية بالدولة الأردنية بأنجازاتها السياسية والحضارية نتيجة لعبقرية قيادتها وفرسانها .
فقد واجهت الدوله إشراقات جميلة كما واجهت تحديات كبيرة هددت أمنها في ظل حروب ونزاعات وعنف وإرهاب وتداخلات خارجية إقليمية ودولية، ومؤامرات خارجية وداخلية، فضلاً عن أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية طاغية..ومع ذلك نهضت وتقاطرت الإنجازات تلو الإنجازات وأصبحت شاهد على ولادة دوله عصرية متكاملة الأركان ، مما شكل إرث عميق لدولة عميقة في كل مراحل تطورها ونهضتها وتقدمها بفضل الرؤية الأستشرافية والبصيرة الثاقبة لقيادتها الهاشمية الحكمة التي وضعت الدولة الأردنية على سكة النهضة والتنمية في كافة المجالات الإنتاجية والتي نسعى لتحديثها أكثر وأكثر بما يتناسب مع سمعة الأردن وأهله، ووزن قيادته الهاشمية العامرة.
إن الدولة الأردنية عبرت في مئويتها الأولى بمنجزات ثقافية وحضارية أنتجت دولة راسخة بمؤسساتها، نتكئ عليها في مواجهة المتغيرات التي تستدعي التصدي لهذه التحديات برؤية نقدية بناءة نتطلع أن تستمر هذه القافلة وتسير ضمن الرؤية الملكية في الإصلاح والبناء الفكري والحضاري في التشريعات السياسية والاقتصادية والإدارية...
فنقول وطن يُحكم من الهاشميين لن يسقط.. فسقوط ريشة...لا يعني توقف الطائر عن التحليق... نعم الجبال عالية والهاشميون الجبل العالي الذي لا يتأثر بشدة العواصف وكثرتها.. فرغم التباطئ في المسيرة لظروف تتعلق بالتحديات الداخليه والخارجية، لكنها لم تتوقف مسيرة البناء والتنمية والإصلاح ولن ينظفىء سراجها بأذن الله ، لان زيتها من دماء الشهداء الذين لا يموتون...
والهاشميون هم أول من روى تراب القدس بدمائهم فظلت مشاعل نور تحكي مسيرتهم لأنهم هم بناة حضارة إنسانية خلدها لهم التاريخ السياسي ، وبناءٌ وتخطيطٌ لمستقبل نراه بأذن الله مشرقا، وانه من حقّ الوطن والقائد علينا أن نعمل يداً واحدة، وبكل عزم وإرادة، لينعم أبناء الوطن بالعدالة والتنمية والازدهار، وليبقى الأردنّ قادراً على اجتياز العواصف والأنواء مهما بلغت.
ونقول لو كان الوطن يتكلمّ لقال للهاشميين كفيتم ووفيتم لأنكم البارين في الإنجاز والإبداع فكنتم المظلة الواقية والحامية لترابي ولأبنائي، حملتم رسالة إنسانية للبشريه كافة....
واخيراً نقول لأبنائنا ونحن نتحدث عن الاستقلال رمز هويتنا وكرامتنا بأن الوطن ليس فندقا نغادره حين تسوء خدماته، ولا مطعما نذمهُ حين لايروق لنا طعامهُ...ولا حديقة لتنزه نغادرها عندما تنتهي متعة التنزه !!! الوطن شرف وعز وانتماء وولاء فلا شيء يعادل تراب الوطن إلا الروح. فالوطن يمنح الأمن والأمان والعيش الكريم والشرف والكرامة لكل من يتنفس هواءه، فالمهم والأهم أن نقدر ونجل ونحترم هذا العطاء، هذا الوطن الذي يمثل وعاء كبير جمعنا ولم يشكوا من كثرتنا ولا من اختلافاتنا ولا من مذاهبنا وسلوكياتنا، هذا الوطن الذي نحمل هويته في قلوبنا دعونا نحافظ علية!! فالوطن ليس للتجارة...هكذا تعلمنا من الشرفاء الذين حملوا شرف العسكرية بأن الوطن يعادل الروح فأول ما تعلمنا من الآباء والأجداد الدرس الأول في أبجديات الإنتماء والولاء والوفاء لتراب الوطن، والتباهي بحمل هويته.. فصارت قلوبنا أردنية ودقاتها هاشمية...
في يوم الاستقلال ستستمر القافلة ومسيرة العطاء بأذن الله تعالى ، وسيكون هناك رصيد متراكم من القوة والنماء والتقدم ومواكبة لغة العصر في النهج وبناء الفكر والمعرفة التي تُعد أحد سمات قوة الدولة ورفعتها ..
وكل عام وجلاله سيدنا الملك عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم بخير وعافية ويطول بعمره ليبقى رأية عالية نتفاخر ونتباهى به بين الأمم والشعوب...
حمى الله الأردن وأهله وقيادته الهاشمية العامرة من كل مكروه تحت ظل رأية سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم أعز الله ملكة.