في يوليو 2021 نُشر على الصحف صور مجندات يتدربن في عرض عسكري، ما أشعل حينها موجة غضب، وسخرية في أوكرانيا، وجدت السلطات الأوكرانية نفسها هدفاً للسخرية، وموجة غضب شديدة، بعد أن أظهرت صور رسمية لتك المجندات، وهنّ يتدربن بينما يرتدين أحذية ذات الكعب العالٍ ، وجاء هذا بعدما نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية آنذاك؛ هذه الصور، وذلك في إطار إستعدادها لتنظيم عرض عسكري في 24 أغسطس من نفس العام إحتفالاً بمرور 30 عاماً على الإستقلال وفي ذكرىّ تفكك الإتحاد السوفيتي.
وأثارت هذه الصور ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الإجتماعي، فضلاً عن الإحتجاجات في البرلمان الأوكراني، وظهر عدد من عضوات البرلمان، ومعهن أزواج من الأحذية ذات الكعب العالي داخل المجلس، وشجعن وزير الدفاع على إرتداء الكعب العالي في العرض.
ونحن رأينا هذا حينها ما هو إلا سخافة في العقل وضيقً في التكفير، وأن النساء المجندات في أوكرانيا، وغيرها تعُد مثل الرجال يخاطرن بحياتهن، ولا يستحقون السخرية، ففي العصر القديم، كان للمرأة دوراً مشرفاً في الحرب، فقد كان "لـ" رُفيدة الأسلمية خيمة طبيّة في المسجد، يُنقَل إليها الجرحى فتداويهم فيها، لتكون خيمتها هذه بمثابة أوّل مستشفىّ ميدانيٍّ في الإسلام، ورد في الروايات أنّ الصحابيّ الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه حين أُصيب في غزوة الخندق، أمر النبيﷺ بأن يُحمَل سعدٌ إلى خيمة رفيدة رضي الله عنها في المسجد لتعالجه وتداوي جرحه.
وكما جاء في نص الرواية،
«لمّا أُصيبَ أَكحُلُ سعدٍ يومَ الخندقِ فثقُل حوَّلوه عند امرأةٍ يُقال لها: رُفَيدةُ، وكانت تُداوي الجَرحى، فكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إذا مرَّ به يقول: كيف أمسيتَ؟ وإذا أصبحَ قال؛كيف أصبحتَ؟»، ونظراً للدور الذي قامت به رفيدة قسم لها النبيّ ﷺمن غنائم غزوة خيبر، وجعل لها سهماً كما سهم المقاتل من الغنيمة، وتكريماً لها، وتقديراً لدورها الذي تعدّى نفعه فث الحرب، وعامّة المسلمين.
وفي العصر الحديث، وفي بداية القرن الثامن عشر عمل بعض النساء اللاتي إلتحقن بالجيوش المكلفة بالمهمات القتالية، أعمالاً تتمثل في الطهي، وغسل الملابس كما عمل بعض النساء بمصانع الذخيرة، وفي منتصف القرن التاسع عشر، أصبح للتمريض دوراً هاماً أيضاً، حيثُ كان الدور الأساسي للمرأة في الحرب العالمية الأولي "1914" ولأربع سنوات كان العمل بمصانع الذخيرة، والزراعة، وأدوار أخرىّ لتعويض الجنود الرجال للجيش، كما لعبت المرأة دوراً جلياً في إنجاح نظام الحصص الغذائية للجيوش، وشكلت الحرب العالمية الثانية نقطة تحول مصيرية حيثُ تولى الملايين من النساء أدوار خطيرة على الجبهة مثل العمل في مصانع الذخيرة.
وقد إرتبط وصف جيش الكعب العالي بالقوات المسلحة الأوكرانية بعد تداول الصور في صيف العام الماضي للمجندات بأحذية نسائية، لكن مع بدء العمليات العسكرية الروسية في هذا العالم 2022 أثبتت هؤلاء النساء في أوكرانيا أنهن جزء مهم من عمليات الدفاع عن حرية "أوكرانيا"في مختلف المدن، وتُشير الإحصائيات إلى أن النساء يمثلن 17% من الجيش الأوكراني، وأن هناك نساءً غير مسجّلات رسمياً ضمن الجيش بل شاركن فيه بعدة دورات تدريبية مكثفة في حمل السلاح، والأساليب القتالية.
وأن أكثر من 37 ألف امرأة تخدم حالياً في القوات المسلحة الأوكرانية، بينهن أكثر من 5 آلاف برتبة ضابط، وشاركت 14 ألف منهن في القتال ضد الإنفصاليين الموالين لروسيا شرقي البلاد منذ إندلاع النزاع المسلح الدامي في عام 2014، ورغم أن النساء تواجه الآن في أوكرانيا خياراً صعباً حيث تسمح الأحكام العرفية لهن بالمغادرة إلا أن العديد منهن قررن إرسال الأطفال إلى المناطق الآمنة لهم، والبقاء للدفاع عن حرية بلادهن.
وزادت الأعمال التطوعية في "أوكرانيا" وغيرها من الدول حيث ظهر التغيير الجسيم في السنوات القليلة الماضية بإلتحاق الملايين من السيدات في الوحدات العسكرية العادية، وحيثُ تولين بعضهن الوظائف الكتابية ليتفرغ الرجال للقتال، وتم تكليف بعض النساء، وخاصةً في ألمانيا، وبريطانيا، وغيرهم بأدوار قتالية على نطاق محدود، وخاصةً في الوحدات المضادة للطائرات حيث أسقطن قاذفات العدو وهن في مأمن من الأسر.
وأستعانت التحركات على الأرض، والمقاومة بمجهودات النساء على نطاق واسع في أدوار الدعم، وفي السبعينيات لعبت المرأة دوراً متزايداً في جيوش الدول الكبرى، وصل حتى أواخر 2006 منصب كطيار مقاتل، وأثارت القوانين الجديدة جدل على نطاق واسع، لأسباب عدة تتضمن الفروق الجسدية بين الجنسين، وقضية الهوية الجنسانية للعديد من النساء والرجال.
ونرىّ ويرى العالم بأسره أن ملحمة عظيمة، وإقْتِتال عنيف للمقاومة الأوكرانية في دفاعها عن حرية الوطن ما دفع "العيون الخضراء" تنضم لصفوف المقاومة، وتتأهب للقوات الروسية، ورسالتهن في جبهة القتال"إذا جذبتك إحدى مجندات الجيش الأوكراني بعينيها الخضراوين وشعرها الذهبي، فحاول ألا تنخدع فخلف هذا القوام الممشوق عسكريات لا يعرفن الرحمة في الدفاع عن حرية وطنهن، ومنذُ منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، وغزوها الحالي للبلاد شهدت الثكنات العسكرية الأوكرانية طوابير من النساء الراغبات في الإنضمام لجيش بلادهن.
ورصدت عدة تقارير عن تزايد ملحوظاً في عدد النساء الملتحقات بوحدات الإحتياط التابعة للجيش الأوكراني،
فمع كل تحذير من الجانب الروسي تكثيف القتال ضد بلادهن تتسابق المدنيات الأوكرانيات على الإنضمام للخدمة العسكرية، وهذا التسابق الغير مسبوق بدأ من العام الماضي وتحديداً من بداية التهديد الروسي بعزو أوكرانيا، وحتى بداية العالم الجاري، كانت هناك 112 سيدة يعملن قائدات فصيلة في القوات المسلحة الأوكرانية، وربما تزايد هذا العدد في الأيام القليلة الماضية، فضلاً عن؛ قائدات الفصائل هناك الذي يزيد عددهم عن 1020 ضابطة في مناصب قيادية مع الآلاف من النساء اللاتي يقمن بدور المقاتلين.
وختاماً؛ فإن حرية الوطن لها شأنًٌ أخر، وبدا واضحاً الأوكرانيات اللاتي يتنافسن بقوة للظهور في الخطوط الأمامية على جبهة القتال الشرقية، وغيرها لبلادهن، على أهبة الإستعداد لمواجهة الآلاف من القوات الروسية، وأثبت التقارير أن الأوكرانيات الملتحقات بالجيش أكدن أنهن يعاملن مثل الرجال، ويواجهن الضغط الجسدي نفسه، وفي بعض الحالات تكون لديهن قدرة أكبر على التحمل من الرجال.