ترجع اصول او جذور الثورة العربية الى نمو وتطور الوعي القومي العربي في الفترة ما بين (1847-1916) بحيث كانت الثورة بمثابة المحصلة او النتيجة لتطور وتنامي هذا الوعي. واذا كانت البدايات الاولى لهذا الوعي تمثل مرحلة الميلاد او الطفولة، فان الثورة تمثل مرحلة البلوغ والشباب للوعي القومي العربية ان صح التعبير.
فالوعي القومي العربي في تطوره خلال الفترة السابقة لم يخل من الدعوة الى قيام دولة عربية مستقلة، بصرف النظر عن اطارها الجغرافي ، برئاسة احد اشراف مكة. وترجع اقدم دعوة في هذا المجال الى عام 1858م، فقد جاء في رسالة القنصل البريطاني في حلب الى السفير البريطاني في استانبول (31/7/1858م) قوله:” ويظهر ان السكان في شمال سوريا تدغدغ افئدتهم احلام جميلة بالانفصال عن الامبراطورية العثمانية واقامة دولة عربية برئاسة شريف من اشراف مكة”
وبالمناسبة فان شريف مكة في هذا القوت بالذات كان الشريف محمد ابن عبدالمعين بن عون، مؤسس فرع ذوي عون من الاشراف الهاشميين، وهو جد الشريف الحسين بن علي، وكان قد تولى منصب الشرافة في الفترة ما بين (1827-1851م) وقد عزل ونفى الى استانبول خوفا من زيادة نفوذه ، ثم اعيد الى منصبه في الفترة ما بين (1856-1858) وخلال نفيه ولد لابنه علي عام 1853 ولد اسماه الحسين.
تكررت الدعوة لرئاسة اشراف مكة لحركة الاستقلال العربي في مناسبات تالية، فقد دعا عبدالرحمن الكواكبي في كتابه” ام القرى” الى عقد مؤتمر في مكة عام 1316هـ/1898م برئاسة احد رجال مكة لتدارس احوال المسلمين ووضع وسائل نهضتهم ، ومؤكداً على المكانة التي يجب ان يحتلها العرب في الاسلام بفضل لغتهم وشرف نسبهم قائلا:
"ان عرب الجزيرة هم المؤهلون لاعادة مجد الاسلام لأن العناية الالهية حمتهم من الفساد الخلقي الذي اصاب الاتراك. واضاف : ان العرب أنسب الأقوام لأن يكونوا مرجعا في الدين وقوة للمسلمين، ولذا لا يجوز الاتكال على العثمانيين في أمر الخلافة.
كذلك فقد دعا نجيب عازوري في كتابه” يقظة الامة العربية” الذي نشره بالفرنسية عام 1905م، العرب الى الانفصال عن الشجرة العثمانية ليكونوا دولة مستقلة بذاتهم تمتد حدودها من وادي دجلة والفرات الى السويس، ومن البحر المتوسط الى بحر عمان على ان تكون دولة ملكية حرة دستورية على رأسها سلطان عربي.
هذه اشارات تاريخية الى البدايات ، وان تكون النهضة على يد شريف مكة هو امر استند الى مرجعيات تاريخية عدا عن المكانة التاريخية للاشراف الهاشميين وامارتهم للحجاز وادارتهم لشؤون الحج ، وهم قد وضعوا أولى مؤسسات الاسلام المتمثلة بدار الندوة لتكون هي حكومة ترعى شؤون العرب .
من خلال قراءة التسلسل الفكري للنهضة العربية نجد ان خلاصة الفكر القومي العربي يتلخص في البيان الاول للثورة العربية الكبرى الذي اوضح الهدف من النهضة في تحقيق السيادة والاستقلال وحدود الدولة العربية المستقلة
ونحن بعد مائة وست سنوات نسأل ما الذي نريده من الثورة العربية الكبرى ؟
وهل نحن بحاجة الى انتاج فكر نهضوي جديد بمنهج المعاصرة .