تحدثنا كثيراً عن دور الجامعات في خدمة المجتمع والوطن، ونعرف أدوار الجامعات وأهدافها؛ من تدريس و بحث علمي وخدمة المجتمع، وحديثاً الجامعة المنتجة، ومن خلال قراءتي لمشهد جامعاتنا ودورها في خدمة وتنمية المجتمع المحلي والجامعة المنتجة ما زال الفعل خجولاً..! ولا يغرنا سيل إتفاقيات التعاون الشكلية مع مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المحلي، والتي تنتهي بانتهاء إحتفالية التوقيع والنشر الإعلامي… إلا من رحم ربي، حالات فردية هنا وهناك..!، ويبقي دور خدمة المجتمع والإنتاج والتعاون مع المجتمع المحلي دون الطموح… وبعيد عن التجارب العالمية.
استوقفني اليوم (بوست على الفيسبوك) لأحد أبناء عمومتي في بلدتي صخره عجلون وهو شاب طموح يستثمر في قطاع المواشي، وأقتطف مما كتب في شكره لجامعة العلوم والتكنولوجيا وكلية الزراعة وأساتذتها:
بداية اتوجه بالشكر الجزيل وعظيم الامتنان لجامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنيه من خلال الدكتور…… ومشروع (الإستفاده مما تم التوصل اليه محليا لزيادة انتاج لحوم العواسي) وذلك من اجل المساهمة في زيادة تمكين الأمن الغذائي الوطني ولا ننسى الفريق المعاون له من المهندسين والفنيين في كلية الزراعة.
حيث تم إدخال القطيع ضمن مشروع الجامعة الذي يشرف عليه الدكتور… . والذي ابدى كل الإستعداد للمساعدة في تحسين القطيع والوصول به لاعلى المستويات.
حيث وجه الدكتور… الفريق الفني بكلية الزراعه لزيارة المزرعه وتقسيم القطيع الى عدة مجموعات ووضع الاسفنجات من اجل القيام بعملية التلقيح الصناعي وعلى مراحل وكذلك تم تزويدنا بكبشين يحملان الصفات الوراثية المميزة من حيث كمية اللحم والحليب وكذلك نسبة التوائم، وقام الفريق الفني بزيارات اسبوعيه (مرتين بالاسبوع ) حيث تم تلقيح ٢٠ نعجه مع اعطائها الادوية اللازمة لتثبيت الحمل وكله مجانا.
وايضا تمت دعوتنا للجامعة وتم منحنا مع مجموعه كبيرة من المزارعين مجموعه من النعاج الملقحة من كباش محسنه وبعدد ١٠ نعاج لكل مزارع مجانا وبدون مقابل مع الاشراف البيطري الكامل والمتابعه الحثيثه للقطيع من ترقيم وعزل وتقديم النصح والاشراف الكامل." إنتهى الإقتباس.
أسوق ما اقتطفته لأضع مثالاً عملياً أمام رؤساء جامعاتنا الوطنية، والتي لديها طاقات أكاديمية وبحثية في جميع حقول المعرفة والتكنولوجيا، ومشاريع بحثية مع جهات عالمية أو محلية، وكيف تسخر هذه الجهود لخدمة المجتمع المحلي، وبالتالي المجتمع ككل والإقتصاد الوطني، وهنا ففي كل تخصص يمكن ان نوجد تعاون ما مع المتطلبات لحل مشاكلنا ذات الأولوية الوطنية، وأن لا تبقي المشاريع حبر علي ورق وأبحاث نظرية لا تجد طريقها للتطبيق، وأن تبقى المشاريع مجال للتكسب هنا وهناك وكتابة تقارير منمقة وهمية احياناً للجهات المانحة..!، وعندما نبحث عن مردود ملموس تطبيقي او عملي مؤثر وفعال يحل مشكلة وطنيه هنا وهناك لا نجده… !
المثال أعلاه ليس دعاية لأحد ولم اتشرف بمعرفة شخصية مع أي من إدارة الجامعة أو أصحاب المشروع الأفاضل؛ كي لا يقال أننا نتزلف أو ننافق لأحد… ما نشره قريبي إستفزني للكتابة بهذا الموضوع؛ لعل وعسى أن نجد مثل هذا التعاون والتشاركية الفعالة المؤثرة في كل جامعاتنا مع المجتمع المحلي، وأن لا نبقي نتغنى بأرقام بتصنيفات عالمية واستشهادات ونشر للأبحاث نظرية لا تنعكس على واقعنا، مع الإحترام لكل ذلك… نقل البحث العلمي من أبحاث للترقية لأبحاث تطبيقية عملية تتشابك مع أولوياتنا الوطنية، والمشاكل التي يعاني منها مجتمعنا وبلدنا كثيرة، والجامعات بيوت خبرة ولها دور كبير يجب أن تأخذه علي عاتقها، ويجب أن توجه الجهود لنقلة نوعية تساهم بها الجامعات لا بل تقودها نحو التطور… وأن لا نبقى ننتظر من الحكومات أن تعلق الجرس… فالتجربه لحينه لا تضيء شمعة… تسعفنا للعن الظلام..!.
أقترح على كل الإدارات في جامعاتنا، أن تتمثل هذا التعاون والتكامل الفعلي الذي يخدم مجتمعنا، والصورة المستوحاة لهذا المثال؛ أنه يدعم أمننا الغذائي والذي إنكشفت عوراته في الحرب الروسية الأوكرانية، ونعاني جميعا من إرتفاع أسعار جنوني للمواد الغذائية وغيرها، فلو عملنا منذ سنين بهذه الهمة هنا وهناك وفي شتى المجالات، لما تأثرنا، وكنا وصلنا لحالة من الإكتفاء وترسيخ الأمن الغذائي والأمن الوطني بكل صوره،مبادرات كهذه مرتبطة بجامعاتنا المنتشرة على مساحة الوطن تمثل صورة ناضجة لتشابك الاكاديميا مع الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والمجتمع وترسخ وصولنا للإكتفاء الذاتي والإنتاج والتصدير، والباب مفتوح في جميع القطاعات، وأن لا تبقى أقسام خدمة المجتمع تدور حول نفسها ولا تعرف إلا الإحتفاليات وجمع التبرعات وبعض النشاطات العادية مع اهميتها، إلا أن الأهم ما طرحته ونعرفه جميعا ونطمح أن يكون واجهة لكل جامعاتنا الوطنية، لتسجل مساهمات وطنية فعلية تصبح حديث الساسة قبل المجتمع… حمى الله الأردن.