أكان ينقصنا موتٌ جماعي جديد كي نُضرب على أُم رأسنا ولا نفيق؟ بل نذهب في إغماءةٍ أو فقدان ذاكرة..! نحنُ متعبون إلى الحدّ الذي لم نعد نفرِّق بين الحياة والموت.. كأن الحياة موت وكأن الموت حياة..!
غارقون في لقمة العيش كأنها بحرٌ مالحٌ؛ ولا تحسبوا لقمة العيش كسرة خبز و رأس بصل؛ بل هي تلقيم مفاصل العيش كي تبقى المفاصل في حدّنا الأدنى من العمل..!
لقمة العيش لمن ماتوا في العقبة هي أُم تنتظر ابنها الشقي كي يدخل عليها بابتسامة موجوعة وبيده علبة دوائها المتأخرة عن الحضور..! لقمة العيش أن يخفي الأب دموعًا حارقة وهو يحضن طفله الذي ودّعه صباحا ويذكّره بألّا ينسى "الزاكي"..! لقمة العيش ممن قضوا نحبهم في العقبة هي أحلام صغيرة لشاب يريد أن يقدِّم وردةً بعد استحمام يوم طويل لحبيبته التي تنتظر منه رنّة موبايل: أنا في الطريق يا حبيبتي..!
نحن أسارى لقمة العيش .. أسارى التحميل و التنزيل.. نحن أبناء الشمس التي ظلّ لها.. نحنُ اللهاثُ المتواصل وأخوته وأبناء عمومته.. نحن قبيلةٌ من حبل السيرك الذي يمشّوننا عليه؛ فإن زلّت قدم كان الموت وإن وصلنا للطرف الآخر لم نظفر إلّا ببيضتين وعلبة سردين وباكيت شيبس..!
أتوجّع كلما جاءت لقمة العيش وطالبت جموع الحاجة بحاجتها.. كلّما خرج شقيٌّ منّا من البيت وأهله يتغزلون بجمال هيئته وطلته ولكنه يعود إليهم في كفن..!
رحم الله شهداء لقمة العيش؛ فقد كانوا قبل قليل يحاصرون لقمة العيش ليقبضوا عليها ولكنها حاصرتهم وتركتهم بلا عيش..!