تابعت - كما الكثير - المؤتمر الوطني الثالث والمعنون بـ : ( الاوراق النقاشية الملكية بين الدراسة والتنفيذ :خريطة طريق لمستقبل الدولة الأردنية ) , والذي عقد في رحاب اليرموك الجامعة , وتابعت ما أورده الدكتور إخليف الطراونة في حديثه عن الأحزاب وتوصيفه المشهد بدقة ووضوح وصدق ومنطق ؛ عندما تحدث عن تمثيل إرادة الشعب , وعن ازدحام الساحة , وعن عدد الاحزاب , وان الاحزاب لاتأتي بقرار ولا بـ " كبسة زر " وكأنه يقول : الإرادة يصنعها وعي جمعي وليست مرحلة انتقالية .
أجاد الطراونة في قراءة الخارطة السياسية , والحاجة عندما تحدث عن تيار وطني حزبي يضبط الايقاع , وتيار يساري يُعنى بالرأي الآخر , وتيار إسلامي يضم الاحزاب الاسلامية , وأن هذه دعوة الحسين الراحل عندما قال - رحمه الله- الازدحام يعيق الحركة , وما أكده الملك عبد الله الثاني في لقاءاته , وفي أوراقه النقاشية .
ثم أكد في اللقاء ذاته – الطراونة – أن هناك انفلات حيث تجاوز عدد الاحزاب المعقول بل ونبه لأمر خطير للغاية يدركه المواطن الاردني بحسه ؛ أن من تسيد الساحة , وتقدم لتشكيل الأحزاب هُم من ترجل قبل أيام عن كرسي السياسة , والسيادة وكأن الحكومات تنتج ذاتها مرة أخرى من بوابة حزبية , ولذلك تداعيات كبيرة تتعلق بالثقة والمشروعية حيث كانت إرادة الدولة الأردنية من فتح المجال للعمل الحزبي أن يشترك فيه المثقف , والشاب , والعقول المستنيرة, وليست أحزابا خاصة بالثقافات الفرعية التي يؤطر لها البعض ؛ لإعادة إنتاج هويات جديدة , وكما يقول الطراونة بأن الملك أراد نشر الثقافة الحزبية , وهذا هو المطلوب خاصة في ظل الخوف من الانتماء الحزبي .
حديث عميق للطراونة عندما أكد أن المحاصصة ليست هي المطلوب, ونحن بدورنا نقول أنها لا تمثل عقلية الدولة الأردنية , ولا النهج الذي يريده القائد , وتحدث كذلك عن انخراط الشباب , وطلاب الجامعات وهم باكورة العمل الحزبي , وكيف تعيقهم التشريعات والفكر السائد ؛ فكيف يستقيم ما يدعو له القائد ويستشرف به المستقبل ؛ مع الممارسات الفعلية !! إذن أين المشكلة ؟ .
يطول الحديث حول ما أورده الطراونة الذي تحدث بتاريخ 24/7/2022 , ثم جاء لقاء القائد مع رؤساء الجامعات بتاريخ 26/7/2022 لحثهم على فتح المجال للشباب , وتشجيعهم على العمل الحزبي , وهذا ما دفعني للكتابة حول حديث الطراونة ؛ لأنه جاء بتوقيت مهم , وقد استشرف المستقبل , وقرأ فكر الوطن , والقائد , وتحدث بعمق , ومسؤولية عن الحياة الحزبية , ونثر الدرر في رحاب اليرموك بقوة , ومنطق .
في طرحه أكد الطراونة أن " خطاب الاردن " رغم انه تأخر لكنه بات واجب فما أجمل الحديث عندما يبتعد عن شطط العواطف , واحلام اليقظة . فما اجمل حديث المتفائل , والرائد لا يكذب أهله , وهي دعوة صادقة للخروج من معين بيروقراطي آسن , ووضع الحصان امام العربة ؛ حديث عميق يؤكد شراكة وطنية مسؤولة بعيدة عن التكسب والبحث عن الاضواء ؛ حديث مسؤول أن الوطن يعرف أناته المخلص.
مثلكم يستغيث الوطن به ومثلكم يتيتم المجتمع بغيابه جذور طاهرة وغرس صادق فالاوطان تبصر من عيون أبنائها وتستمد العزم من طاقاتهم ويشتعل الوعي من نضجهم .
حديث شيق غاب - حسب اعتقادي- لنبل سياسي , وعدم رغبة بالتزاحم على مواطىء السلطة لكنه أثار شجون الشباب , واستنهض همم مفكرينا , وقادة الرأي حيث حمل الجرأة والمنطق . فنحن على اعتاب استحقاق ديمقراطي يحتاج صدق في التعبير وعقل جمعي واستنطاق الدرر لتتكامل القدرات وتبنى المؤسسات وبذلك لا تستأثر فئة على حقوق أخرى مهما كانت متفردة أو ادعت أنها تستند على مآثرها .
فالسياسة كما فهمنا من حديث الطراونة ممارسة فعلية تحتاج تجمعات فكرية تولد من رحم آمالنا , وطموحاتنا , وتستند على وجدان المجتمع ووعيه نحن باختصار مللنا الدكاكين الحزبية , ومللنا المناطٌقية ولسنا مع بناء هويات فرعية ؛ نحن نؤمن بهوية أردنية جامعة . فثمن الحقيقة مكلف لكن غيابها أكثر كلفة
وفي النهاية شكرا دكتور إخليف على السمو بالرؤية في سياق الصورة الكلية ؛ قراءة استراتيجية لا تكتيكية كان عنوان الطرح . فكم نحن بحاجة لهذه النخبة التي تجسد قيم الترقي فأنتم بوصلتنا في ظل قيادتنا الهاشمية , ومرجعية فكرية, وطنية بكم ينهض الوعي , ويستقيم الظل .