اجتهدت الحكومة وقدمت خطة معقولة للإصلاح الإداري ، وحاولت كغيرها أن تقدم وصفة واقعية للنهوض بالجهاز الإداري آخذة بعين الاعتبار عمق الأزمة وكلفة التطوير وأثر ذلك على الموازنة العامة التي تنوء ثقلاً بالعجز وحجم النفقات العامة والرواتب، والتي تتحملها مجتمعة الحكومات السابقة في العقود الثلاثة الأخيرة. وخطة الإصلاح هذه ليست وصفة سحرية، إنما هي تخضع للتقييم والنقاش والمساءلة وفق الأطر الدستورية من مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب وبدرجة متفاوتة.
ليس منصفاً تقريع الحكومة لمجرد وجود مناخ رحب لحرية التعبير دون ضوابط أو حدود، فالنقد البنّاء له منابر وأصول ومنافذ أخلاقية تبدأ بالنصيحة الصادقة الصامتة ولا تنتهي عند مطالبة مجلس النواب بأداء واجبه الدستوري وفق الأصول والتقاليد البرلمانية، والتي وضع الدستور لها قواعد راسخة للتعاون بين السلطات وبما يخدم الوطن والمواطنين بالدرجة الأولى.
ليس لائقاً ولا مقبولاً التقليل من شأن أشخاص اجتهدوا في إدارة الحكم بعبارات لا تليق برجال الدولة من قبل أناس شابت لحاهم في أحضان السلطة وشاخت خلاياهم في أروقة الحكم، ومع محبتنا لهم وتقديرنا لأدوارهم، إلا أن الأمر حينما يتعلق بهيبة الدولة والحكم نجد أنفسنا مضطرين وطنياً بالمناجاة أحياناً والمناداة صراخاً أن ما هكذا تورد الإبل، فالدولة مستهدفة وهيبتها يُتربص لها ليل نهار من أعداء الداخل والخارج على حدٍ سواء، والموارد شحيحة والتضييق على الأردن وقيادته وشعبه ليس له حدود، ولا رادّ له سوى توحدنا ووعينا وصبرنا على أنفسنا إلى أن يستقيم الحال بنا قريباً إن شاء الله.
لم يأتِ أحد إلى السلطة خبيراً أو مجرباً وفناء الدولة كان ظلاً ظليلاً للوزراء والرؤساء ورجال الحكم؛ منهم من أحسن ومنهم من أساء ومنهم من أخطأ، لكن العلامة الفارقة في سلوك بعضهم هي نظافة اليد وطهارة الوفاء، ونبل الهدف والمسار والقبض على جمر الهوية بعنفوان يليق بثقة القيادة وطهر التراب وتضحيات الشهداء. هؤلاء هم وحدهم الذين نبرر لهم اجتهادهم ونغفر لهم أخطاءهم عندما لا يكون القصد ماثلاً كالشمس.
قد تكون بعض الملاحظات حول خطة الإصلاح الإداري محقة، ويمكن تعديلها او مراجعتها بالحوار الصادق، ولكن جلد الذات ليس حلاً، واحتكار الحقيقة هو سمة رافقت الكثيرين من المتقاعدين من أروقة الحكم آن أوان مغادرتها إلى غير رجعة، كي لا نصل الى مرحلة يقول فيها شاغل الموقع العام أن "انجُ سعد فقد هلك سعيد"، وكل ذلك من نتاج قسوة الرأي العام على ممارسة السلطة، وتقريع الموقع العام بمناسبة أو بدونها.
لا يجوز اختزال خطة الإصلاح بدمج الوزارات على وجاهة الأخيرة في اغلب المضامين؛ بل أن التدريب والتأهيل وتقدير الإبداع والحوكمة ورقمنة الخدمات والإحلال التدريجي الذي لا يثير حنق الرأي العام ولا يهدد الأمن الاجتماعي؛ هي سياسات وقرارت وإجراءات وتشريعات وضعت بعناية ودُرست بدقة قد لا يكون مناسباً ذكرها بتفاصيل، ودون إغفال أن المؤسسات الرقابية كهيئة الاعلام وهيئة تنظيم الطاقة والاتصالات والنقل الجوي وغيرها لا يجوز إلحاقها أو دمجها بالوزارات وفق المعايير الدولية.
الحكومة لا تملك ترف الإمكانيات المالية لتلبي كل احتياجات الناس، والاجتهاد وفق الممكن المتاح هو ما يتوجب أن تتناوله الرقابة الشعبية والبرلمانية عند تقييم الأداء الحكومي، والوزراء والنواب وكبار الموظفين هم أبناء للوطن فلا تأخذنا بهم القسوة حد الشتيمة والوقيعة والخذلان، فالتحديات المعلنة والمشفّرة التي تواجه الوطن تكفي وحدها لأن نكون على قلب رجل واحد، ولكنهم يستعجلون.
وحمى الله وطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة وشعبنا الأصيل من كل سوء .