أصعبُ شيءٍ في الوجود هو خيانة الأمانة، ونحن مدعويين لأن نكون على قدر تلك الأمانة التي نؤتمن عليها. فالقسم الذي نؤدِّيه تباعاً لمسؤوليات كثيرة تنسّبُ إلينا هو بمثابة الإعلان عن الإستعداد لحملِ تلك الأمانة وعدم خيانتها أو التخلي عنها حتى ولو كلّف ذلك حياة الإنسان.
فالأمانة التي تُمنح لنا هي أمانة في أعناقنا وحياتنا رهن لها، فإما أن نحافظ عليها أو نخونها وبذلك نخون أنفسنا وضمائرنا. وليس بأصعب على الإنسان من أن يخون نفسه أو يبيع نفسه لأنه عندها لا يقدر أن يحتمل وِزْرَ نفسه، ولا يشعر بشعور أقل مما شعره ذلك التلميذ الخائن يهوذا الإسخريوطي الذي خان السيد المسيح وأسلّمه أمام لمعان الفضة وبريقها، فلم يجد بعدها معنى لحياته البشرية!
وهكذا حياة الواحد منّا ومسؤولياتنا هي أمانة أُوكِلت إلينا، فإما أن نصونها أو أن نخونها. فطبيعتنا البشرية تميل دوماً إلى استغلال الأمانة وتجييرها للصالح الشخصي وللغرور وللتسلط، وهذا ما يفقدنا نعمة هذه الأمانة التي مُنحت لنا لأجل الصالح العام ولأجل خدمة من هم في دائرتنا وتحت رعايتنا. فنعمن ذلك العبد الصالح والأمين الذي يجد المكسب الحقيقي بأن يتاجر بتلك الأمانة متاجرة التاجر الأمين والحريص أن يقدم إنجازاً مضاعفاً لما فوّض له. والله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وما نُكلّف به هو أمانة ومسؤولية لا هروب منها، فبمجرد قبولها والقَسمَ عليها فالإخلال بها هو خيانة كبيرة، وليس أصعب في الحياة من الخيانة وهي من الفظائع التي يصعب إحتمالها، وقصاصها وإن ملصَ من اليد البشرية لكنه لن ينجو أبداً من القصاص الإلهي. وأفظع خيانة هي خيانة الأوطان!
فأعظم شيء في الوجود هو صون الأمانة لأنها حقاً أمانة ومسؤولية، ومن يتحمّلها تصغر في عينيه أية أمور أخرى، فلا تُغرية المناصب ولا المكاسب ولا الألقاب بل يستهويه خوض المغامرة في الذودِ عن حدود مسؤوليته مهما صغرت أو كبرت، فليس المهم ضخامة المسؤولية أو صغرها لكن الأهم هو حمل الأمانة والمسؤولية. فهل لدينا مسؤولين يتحملون مثل هذه المسؤولية؟
وستبقى المجتمعات رهينة العبث بها وتدميرها من غير مسؤولين أمناء يخافون الله ويتقونه.