تطالعنا الأخبار العالمية عن حالة الجفاف التي لم نكن نتوقعها والتي تجتاح بلداناً كثيرة في العالم نتيجة التغيّر المناخي الذي تسببت به اليد البشرية جراء إنبعاث الغازات التي أدّت إلى الإنحباس الحراري وإرتفاع درجات الأرض.
وحالياً فهناك موجة جفاف حادة تجتاح دول أوروبا، ترافَقَ معها العديد من حرائق الغابات في إسبانيا وبريطانيا وكاليفورنيا وغيرها، وجفاف العديد البحيرات في سويسرا مثلا، وكذلك جفاف كثير من الأنهار التي تستخدم في عمليات الشحن ونقل البضائع ومنها نهر الراين. والصين حاليا إذ تجتاحها موجة جفاف أيضاً. كذلك يعاني القرن الإفريقي في الصومال وأثيوبيا وكينيا من جفاف هو الأسوأ منذ أكثر من أربعين عاماً مما ينذر بكارثة إنسانية ضخمة ستطال ما يزيد عن ستة وستين مليون نسمة..
ويرافق هذه الجفاف العالمي تصدّع وتشقق في العلاقات البشرية الدافئة التي تجمع بين الناس، وكأنَّ حياتنا اليوم أشبه ما يسودها حالة جفاف شبيهه بما يتعرض له عالمنا اليوم، وبذلك تصحَّرت علاقات الناس بين بعضها البعض واقفهرت لأننا سمحنا بإنبعاث سموم الأنانية والتسلط والإستغلال، ففتُرَت المحبة في مجتمعاتنا وأصحبت المصلحة هي العامل الرئيسي المتحكم بمفاصل الحياة. فالعلاقات لا تحكمها إلا المصالح وتنتهي بإنتهائها.
لربما قد يقول البعض إن الحياة كلَّها مبنية على ثنائية المصالح، ولكن لو كانت الحياة مطبوعة بهذا الوجه فقط فكيف سيَعمُرُ عالمُنا بفضيلة المحبة التي توصلنا للسماء والتي هي رباط الكمال؟ وكيف سيسود الودُّ والأخوة والسلام في عالمنا؟. فبدون المحبة يجّفُ عالمنا ويخلو من الإنسانية ومن الأمانة والوفاء والإخلاص. وبدون المحبة تتفكك المجتمعات وتكون آبارا مشققة لا تنضب ماءً وتكون عرضة للضياع والإنهيار.
وما تشهده مجتمعاتنا من تفكك وتفسخ في العلاقات حتى داخل العائلة الواحدة يدّق ناقوس الخطر، لأن الحياة تبدّلت قيمها ومبادئها وغلبت المادة وحلّت محل الروح والروحانيات، فأصبحت القيمة لمن جيبه ملأى وليس لمن عقله مليء، فطغى مبدأ الميكافيلية بأنَّ الغاية تبرر الوسيلة، فلم يعد مهما الطريقة التي توصلنا للهدف بقدر ما يهمنا الوصول له حتى لو أُبيدَت مجتمعات ودمرت شعوب بالكامل وسُلبت حقوق وآمال كثيرين من بني البشر وسُحقت كراماتهم.
.
وهنا تبرز أعظم فضيلة نادت بها الأديان وهي فضيلة المحبة لأنها أساس بناء المجتمعات وعمرانها، فالمحبة لا تصنع شراً للقريب ولا تصنع شراً للآخر ولا تضر بالمجتمعات، وإنما تذكرنا أن ما يبقى ويدوم من صالح الأعمال هو ما اقترن بفضيلة المحبة والتي بدونها أيضا لن نفوز أيضا بجنات النعيم.