رغم أن فضاءات الأردنيين تعج بالمبادرات وورش العمل وبالتصريحات وبالوعود بغد أفضل, غير أنه لا يفوت المراقب أن ذلك كله لا يترك أثراً عند الأردنيين الذين يزداد توغلهم يوماً بعد يوم في حالة اليأس والقنوط التي تسيطر عليهم, وعندي أن ذلك يعود لأسباب عديدة، منها الأزمة الاقتصادية وما نتج عنها من بطالة وفقر, غير أن السبب المركزي والأهم هو أن جميع هذه المبادرات أهملت الروح المعنوية للأردنيين, التي لاشك أنها تدنت كثيراً خلال السنوات الأخيرة, ومع تدنيها زادت فجوة إنعدام الثقة لدى الأردنيين بكل ما يصدر عن المؤسسات الأردنية الرسمية, لذلك فإن المنطق يقول أن نقطة التغيير الحاسمة التي تخرج الأردنيين من حالة السلبية والشك والتشكيك والسوداوية التي يعيشونها, هي العمل على إعادة بناء روحهم المعنوية التي وصلت إلى درجة خطيرة من التدني والضعف انعكس ضعفا بروح المواطنة عندهم، جعلتهم لا يرون إلا السلبيات، بل ويضخمونها، وهو أمر لابد من علاجه من خلال معرفة أسبابه أولاً, والتي يمكن تلخيصها بمايلي:-
•التغيير الكبير الذي طرأ على طبيعة العلاقة بين الاردني والدولة, فقد انقلبت هذه العلاقة عند شرائح متنامية من الأردنيين, من علاقة مواطنة تقوم على التوازن بين الحقوق والواجبات إلى علاقة "غنيمة", فصار المواطن يطالب بحقوقه وما هو أكثر منها, ويتناسى أدنى واجباته، جاء هذا التغيير في العلاقة بين الأردني والدولة نتيجة خلل كبير, في منظومة القيم والمفاهيم, التي تسيطر على نسبة كبيرة من الأردنيين وقد نتج هذا الاختلال القيمي عن عدم أداء مؤسسات التنشئة الاجتماعية لأدوارها في تربية المواطن الأردني مما أدى إلى:
- اهتزاز أسس العلاقات وقيمها خاصة قيمة الاحترام, بين الأفراد أنفسهم, ومن ثم فقد الاحترام للمسؤول وللمؤسسة .
- تنامي الفردية والأنانية, ومن ثم الحسد في نفوس شرائح واسعة من الأردنيين, وهذا انعكس على قبول الناس للقرارات وخاصة في مجال التعينات, ففي السابق كان تعين وزير أو مدير عام من منطقة يرضي أبناء المنطقة كلهم, ويشعر كل منهم أنه ممثل, أما في ظل تنامي الفردية والأنانية فلم يعد يرضي الكثير تعين ابن منطقتهم, أو حتى ابن عشيرتهم, حيث يظن كل منهم أنه أحق بالمنصب ولعل هذا سبب من أسباب الإشاعة, التي تهدف إلى اغتيال الشخصية وتشويه السمعة, مما ينعكس سلباً على المؤسسات وصورتها في ذهن المواطن.
•تضخيم دور الإشاعة, خاصة في السنوات الأخيرة, واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشرها, ومن ثم نشر حالة من الخوف لدى نسبة كبيرة من المسؤولين, جعلتهم يترددون في اتخاذ قرارات مطلوبة, بالإضافة إلى أن التردد ولد حالة من الإرباك, لدى هؤلاء المسؤولين انعكس على أداء مؤسساتهم ومن ثم على التنسيق بين مؤسساتهم ومؤسسات الدولة الأخرى, مما يوفر مادة غنية لمواقع التواصل الاجتماعي, والكثير من وسائل الإعلام, للتشكيك بقدرات الدولة وقراراتها, وهو أمر يساهم بالمزيد من اهتزاز الثقة بالدولة, لأن حالة الخوف والإرباك لدى المسؤولين, انعكست حالة من عدم تطبيق القانون, مما أدى إلى غياب سيادة القانون, خاصة في مجال معاقبة من يخالف النظام العام، الأمر الذي شجع على التمادي في مخالفة القانون مثل سرقة مياه وكهرباء.
•الدور السلبي للإعلام وجنوحه إلى إبراز السلبيات أو التحريض أو التهويل, وعجز الاعلام الرسمي على وجه التحديد عن تقديم مبادرات جلالة الملك, و الإنجازات الوطنية ببعد قيمي, يزرع روح الانتماء للوطن ويجسد إنجازاته.
كل ما تقدم ناتج عن غياب رؤية موحدة, لدى الدولة لنوعية القيم والمفاهيم التي يجب أن يربى عليها المواطن الأردني, ومن ثم غياب مناهج ومضامين التربية الوطنية من المناهج المدرسية والخطاب الإعلامي والثقافي, وكلها أساسية في بناء المواطن وعلاقته بدولته وللحديث صلة.