تَغنَّى عمر العبدلات بأغنيته عن مادبا والقائلة " للوح بايدي وارعشها بالخمسة، ع-مادبا ام الحروف الخمسة"..
فعلى أنغام هذه الأغنية الأردنية وبدعوة كريمة وأصيلة من سعادة د. زياد الشخانبة إستقبلتنا مادبا اليوم باسطةٍ ذراعيها لنا نحن أعضاء صالون د. سهام الخفش الثقافي إبتداء من رحاب الجامعة الألمانية الأردنية بضيافة د. نضال الشواورة، إلى مركز زوار مادبا، فشوارعها التي تعبق بالحياة والسياحة والتراث والفسيفساء، إلى كنيسةِ القديس جاورجيوس حاضنة أقدم خارطة جغرافية دينية من القرن السادس الميلادي، إلى مبنى بلدية مادبا برئاسة عمدتها عارف محمود الرواجيح ونائبته بسمة السلايطة، إلى مدينة الأمير هاشم للشباب النموذجية والمميزة في المرافق والجمال والنظافة والخالية تماماً من التدخين، بضيافة د. إبراهيم الشخانبة ومعالي د. فارس بريزات، إلى زيارة المشروع الريادي "كَون"، إلى مغارة مراح سلامة، إلى جلسة هادئة على مرتفعات بانوراما البحر الميت ومن ثم العودة إلى عاصمتنا الحبيبة عمان.
بالفعل برنامجنا كان حافلاً وتَذوُّقٍا لبعض ما تحتويه هذه المدينة الجميلة من عبق التاريخ والحضارة والأصالة والروحانية، والتي تحتاج إلى إقامة أطول للوقوف على الكنوز العظيمة التي جعلت من مادبا عاصمة السياحة العربية 2022. وهي بالفعل كذلك، أولاً بطيب ناسها وأهلها وأصالتهم وحسن ضيافتهم وترحيبهم بالضيف كائناً من كان مما يضفي للمكان جمالاً خاصاً يجعلك تعشق المكان وتبحث عن كل حجر فسيفسائي فيها جعلها تسمى بمدينة الفسيفساء على المستوى العالمي لما تحويه من رقع كبيرة فيها ومن حولها من رسومات فسيفسائية خلابة أصبحت محّط أنظار العالم.
وما يلفت نظرك بشكل خاص في مادبا هي حالة الإنسجام والوئام الديني الذي تجسِّده هذه المدينة العريقة بتاريخها وحاضرها، ففي مادبا لا ينتابك شعور أبداً بأن المسيحية غريبة عن هذه الديار بل أنها جزء أصيل منها، فالكنيسة تعانق الجامع وأصوات الأجراس والتراتيل والصلوات من كنائسها تتعانق مع آذان جوامعها بحالة فريدة وحدّت قلوب أهلها وجمعتهم كعشيرة واحدة متحابة متراصة في كل الظروف والأحوال. وأجمل ما سمعته كان على لسان عمدتها عطوفة عارف الرواجيح بأنَّ ماء مادبا يتوضأ به المسلم ويتعمد به المسيحي. فماذا أجمل من هكذا وصف وهكذا تعبير يعكس روحانية المكان وتحّاب أهله الذين تجمعهم العادات والتقاليد والثقافة واللغة العربية الواحدة، ولا يُسبِّبُ لهم إسلامُهم أو مسيحيتُهم إلا مزيداً من المحبة والألفة والوحدة الوطنية.
أخيراً أقول، أن أجمل ما في هذه الرحلات والتي تهدف إلى معرفك بلدك، والتي سبقتها واحدة إلى الكرك وأخرى إلى الشوبك، أنها تجمع إلى جانب الترفيه والتسلية جوانبَ من الفكر والثقافة والمعرفة، والوقوفَ على قصص نجاح حققها أردنيون بأفكار خلاّقة وجهود حثيثة ساهمت في تطوير واقع بيئتهم ورفع شأنها.
وما رأيناه وشاهدناه بشكل خاص في مادبا، والتي تعني مياة الفاكهة، أكد لنا أن بلدنا الأردن يزخر بالكثير من الأماكن التاريخية والتراثية والدينية والمناطق الطبيعية الخلاّبة وأنه لدينا الكثير من الكفاءات الأردنية المؤهلة والتي إن استُغلَّت في مكانها المناسب حققت إنجازات يفخر بها الوطن.