من المعروف عن الشيخ حمد أنه كان من أشهر عقداء الغزو، وقيل فيه الكثير، وعن شجاعته، وقوة بأسه، وتحمله المصاعب والمشقات، بالإضافة إلى الحكمة وسداد الرأي في القرارات ومتى تؤخذ... وقيل فيه: "يعد الشيخ حمد بن جازي من أكبر وأقدر قادة الحويطات المحاربين.. وله غزوات مشهورة، بعيدة المسافة، حيث أنه لعب دوراً عظيماً في وقت المغازي، فكانت تتبعه الجموع، فعرف ببسالته في القتال وإقدامه على المكارة والمهالك عند الحاجة إلى ذلك بثبات جأش عند المخاوف.
وارتبطت شجاعته باعتماده على رأي حصيف وتبصر بالأمور مع حسن حيلة وحذر وتيقظ، فهو شديد الحنكة، قوي البأس وفارس باسل ومحارب قوي.. ولكن بعد معارك الثورة العربية الكبرى، قال كلمته المشهورة: "البطولة أن تكون في الدفاع عن الوطن، وليس في محاربة أبناء الوطن، القربان والعربان وأبناء العمومة... لقد فرضت علينا المحاربة، والخسارة كانت للجميع، والوطن هو الخاسر الأول... بإذن الله سنضع نهاية للمحاربة بين كل الأطراف ولا يكون بعد اليوم فرقة واختلافات، بين القبائل والعشائر، ولا فرق بعون الله بين أهل بيت الشعر وبيت الحجر، وكلهم في خدمة الوطن وبناء الدولة ومؤسساتها، لذلك، سأقوم بتشجيع أبناء الحويطات على الانتساب إلى الجيش العربي الأردني .
وتؤكد المعلومات على أن توقف الشيخ "حمد" عن الغزو والمحاربات الداخلية، كان في مطلع العام ١٩١٧م، لكن الشيخ "عبد الله الطحان" (من مشايخ قبيلة النعيم) ذكر في أوراقه: "إن ظروف الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م، ومعارك الثورة العربية الكبرى، ومشاركة القبائل البدوية والعشائر الفلاحية في تحرير الجنوب الأردني، كانت من أهم أسباب العزوف عن الغزو، لأن مشايخ قبيلة "الحويطات"، وفي مقدمتهم الشيخ "حمد بن جازي"، والشيخ "عودة أبو تايه"، ومشايخ "الصخور"، وفي مقدمتهم الشيخ "حديثة الخريشة"، والشيخ "مثقال الفايز"، كانوا من أبطال تلك المعارك.
وفي الوقت نفسه، كانت الغزوات دائرة بينهم، فاستجاب الجميع لدعوة الأمير فيصل، ومن بعده الأمير عبد الله، فتوقفت الغزوات المتبادلة بين جميع الأطراف..". أما الأسباب الموضوعية التي كانت وراء دعوة الشيخ "حمد بن جازي" للمصالحات القبلية والعشائرية، والتعهد بوقف المحاربات والغزو المتبادل، فهي: ۱- عدم الاعتداء على قبيلة "الحويطات" من قبل القبائل البدوية الأخرى، التي كانت تتبادل مع قبيلة "الحويطات" الحرابة والغزو، وذلك استجابة لدعوة الشيخ "حمد بن جازي"، بوقف حالة الغزو، "والتفرغ لإرساء قواعد الأمن والطمأنينة في ربيع الصحراء".
۲- انتسابه للثورة العربية الكبرى، وتعهده أمام الأمير فيصل ليس بوقف عمليات الغزو فحسب، بل بالدعوة إلى المصالحات بين المتنازعين، والتفرغ لتحرير الوطن من المحتلين.
3- المواقع القيادية التي تسلمها خلال العهد الفيصلي وبدايات تأسيس إمارة شرق الأردن، وفي مقدمة هذه المواقع القيادية، إدارة المناطق الواقعة في دائرة "أذرح"
و"الرشادية" و"البتراء" ، هذا بالإضافة إلى كونه المرجعية للقضاء البدوي في كل أنحاء ومناطق الجنوب الأردني، وشمالي الحجاز، والتصدي فيما بعد للغزوات الوهابية المتكررة.
4- ظروف البلاد السياسية جعلت زعماء البلاد، يبحثون عن مواقع أكثر شهرة اجتماعية ملائمة للواقع السياسي الجديد.
ه - الانشغال بعقد المؤتمرات الشعبية الوطنية، مثل مؤتمر "الطفيلة"، ومؤتمر "الجفر".
وغيرها من المؤتمرات التي عقدت بعد عام ١٩٢٠م، والتي جميعها رفضت السياسات الاستعمارية الأوروبية تجاه بلاد الشام، وبخاصة المؤامرة على عروبة فلسطين. وكان للشيخ "حمد بن جازي" الدور الرائد في انعقادها، وفي دعمها معنوياً ومادياً.
6- الترفع عن سلوكيات الغزو والمحاربة الداخلية، قال في ذلك الشريف علي الحارثي ي أشرف على بعض المصالحات القبلية والعشائرية: الذي "كان الانشغال بالهم العربي من أهم الأسباب التي أبعدت القبائل عن التفكير بالغزو والمحاربة وأخذ الثارات، فالواقع السياسي الجديد جعل زعماء القبائل والعشائر يترفعون عن سلوك الغزو ومحاربة الأهل...".
إذن، تجمدت حالات الغزو خلال الحكم العربي الفيصلي، وذلك بتوجيه من الشريف حسين بن علي، وبإشراف الشريف "علي الحارثي"، ولكن حالات الصلح بين القبائل لم تتم إلا بعد عام ١٩٢٥م، بإشراف الأمير عبد الله. ومن المؤسف، إن حالات الغزو تجددت بعد عام ١٩٢٢م، من منطلق التنافس القبلي العشائري لا أكثر، وليس بقصد الاستثمار المادي، ولم تتمكن قوات الحكومة المشكلة حديثاً من الحد من الغزوات المتبادلة بين القبائل والعشائر الأردنية وبين القبائل الأردنية وقبائل شمال الجزيرة العربية، والجنوب السوري، ومع القبائل العراقية أيضاً. وأصعب أنواع الغزوات التي تعرض لها الأردن هي الغزوات "الوهابية" المنظمة من قبل قيادات (الإخوان) زعماء المذهب "الوهابي"، أو الطريقة "الوهابية"، حتى وصلت إلى مشارف العاصمة عمان سنة ١٩٢٢م. أمام هذا الواقع الجديد - القديم، أقدمت الحكومة الأردنية وسلطة المعتمد البريطاني، على تكليف الجيش وقوات الدرك وفيما بعد قوات البادية، بتحقيق الأمن الداخلي، وتأسيس مخافر عند معابر الحدود، واهتمت القوات الأردنية بمواقع وادي عربة جنوب البحر الميت، ومنطقة الأزرق، ومنطقة (رم).
وجسر المجامع، والرمثا، وبعض مناطق الشمال الأردني. وكانت أصعب المشاكل الداخلية هي التي عشائر "الغزاوي" وعشائر "الصقر" في الأغوار الأردنية، لذلك، كان الوضع بالمناطق القريبة من "جسر المجامع" ملتهباً بالكراهية والحقد، بعكس الوضع في منطقة غور الصافي، حيث تمكنت القوات الأمنية من وضعها تحت السيطرة، وبعكس منطقة "معان" وجوارها، بفضل حكمة وإدارة زعماء وقادة "الحويطات". كانت بين وجاء في تقرير أمني رفع إلى مكتب المعتمد البريطاني "أن الوضع الأمني على ضفتي النهر سيء بسبب العداوة القديمة بين عشائر "الغزاوية" وعشائر "الصقر".
فتجد ان الغزوة البادية الأردنية حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، عادة متبعة، وشريعة سنتها قوانين الصحراء، وأقرتها تقاليد وعادات البداوة، وظاهرة مألوفة ومعروفة في التاريخ العربي، وهو الوجه السلبي للإنسان العربي البدوي..
والتاريخ يشهد على أن القبائل العربية وعرب الصحراء كانوا النواة الأولى لجيوش الفتح والتحرير العربي الإسلامي. ويشهد التاريخ ويسجل في صفحاته أن الفتوحات العربية في صدر الإسلام كانت من صنع البدو الجمالة الذين شكلوا فيما بعد القوة العسكرية للعرب تحت قيادة الزعماء القرشيين. وهذه المفخرة التاريخية لم تكن غائبة عن أذهان وذاكرة زعماء القبائل البدوية، وفي مقدمتهم قبيلة "الحويطات" وقبيلة "الصخور". لذلك، كانت الاستجابة للتخلص من الوجه السلبي للإنسان العربي البدوي سريعة، ورغبة مشتركة لجميع الأطراف.
وقد أسهم الشيخ "حمد بن جازي"، وبشكل كبير، في مجال إنهاء حالات الغزو، والبداية كانت بقرار توطين البدو لإبعادهم من الغزو وحمايتهم من الفرو أيضاً، هذا بالإضافة إلى تشجيع شباب "الحويطات" بالانتساب إلى القوات المسلحة الأردنية، خاصة قوات البادية والدرك، وبذلك، انتهت هذه العادات بين أفراد البادية، ورست قواعد الأمن والأمان والطمأنينة
2 ربوع الصحراء الأردنية وجوارها الذي كانت مسر. رحاً لعمليات الغزو والمحاربة العربية العربية... وفي ذلله نظم الشيخ ( جروح الزلع)، أحد شيوخ قبيلة "بني عطية"، قصيدة يثمن فيها دور الشيخ "حمد بن جاري" في وقف الغزوات، أو الحد منها، ونختار منها هذه الأبيات الجميلة والمعبرة يـوم ابـن جــازي بـنـي قـصــوره عـزيـلـكـم يـال ــه مـذكـوره يـدلـي عـلـى الـجـد والـمـاتـي كـم هـجـمـة زاع مـقـهـوره يـوم الـطـرب فـوق عـدلات يـرعـى فـلا نـجـد والـكـوره ودنـي مـشــاتـيـه خـولاتـي ..
ويعني الشاعر أن الشيخ "حمد بن جازي" بدأ بالعمار والمسكن، مما يدل على الاستقرار وترك الغزو، وبما أن ( ابن جازي) هو شيخ الحويطات، فإنه لا بد لقبيلته من الاقتداء به والالتزام بما يقرره لهم، وبذلك تحققت أهداف الشيخ حمد بالحد من الغزو حيت انعزل الناس عنها وتركوها ...